الولادة قد تبدو طبيعية لكل امرأة ولكنّها عملية مُعقّدة وترتبط بعوامل داخلية كثيرة مثل قدرة المرأة وقُوّتها، وأخرى خارجية أيضًا لها تأثير كبير كطبيعة العلاقة التي تجمعها مع الشريك والنساء اللواتي يُحطن بها وما يمكن أن يُقدمنه من دعم.
وقد أظهرت العديد من الدراسات في الموضوع كيف تؤثّر تجربة الولادة ككل في شعور المرأة بالثقة والقدرة على تجاوز تحديّات الولادة ورعاية مولودها.
تشعر العديد من النساء بالإرهاق و الحزن أو القلق في أوقات مختلفة أثناء فترة الحمل وحتى بعد ولادة الطفل، بالنسبة للعديد منهن، تختفي هذه المشاعر من تلقاء نفسها تدريجيًّا، لكن بالنسبة لبعض النساء، تستمّر هذه المشاعر لبعض الوقت ويكون لها تأثيرات سلبية خطيرة.
الصحّة النفسية للمرأة في سلّة المهملات
غالبًا ما تكون الصحّة النفسية للأم التي أنجبت حديثًا موضوع يتمّ تجاهله والتقليل من أهميته.
بالأخص في المجتمعات التي تغيب فيها ثقافة الصحّة العقلية كالمجتمعات العربية، حيث تسود أفكار متوارثة عن قدسية الأمومة وقدرة أي امرأة على الولادة ورعاية المولود بشكل طبيعي جدًا.
فيكون التركيز كلّه على صحة الطفل، رضاعته وأيضًا الاحتفالات بقدومه وما إلى ذلك.
بينما تكون الأم الوالدة حديثًا قد مرّت بوقت عصيب وليست متأكدة من شعورها – جسدها وأجزاء حميمية منه مازالث تؤلمها وهناك بعض الذكريات التي تطفو حولها والتي تفضلّ نسيانها ربّما.
بينما تحمل مولودها الجديد وهي شبه غارقة في موجة مشاعر مُتداخلة عن التجربة التي من المُفترض في عقلها الواعي أن تكون طبيعية ومُبهجة ويجب عليها أن تكون قدر المسؤولية والتوقعات.
حين نُخبر النساء أن الطفل السليم هو كل ما يهم، فإننا غالبًا لنسكتهم، فيتمّ تجاهل العلاقة المعقدة بين الأم والطفل وأثرها المُباشر على الصحة الذهنية والبدنية لكليهما في المستقبل، وكأننا نقول على الأقل ضمنيًا، أن مشاعرها لا تهم أبدًا.
في كثير من الأحيان يتم اتهام النساء اللواتي قلن إنهن يهتمن بتفاصيل يوم ولادة أطفالهن بالرغبة في الحصول على “تجربة”.
كما لو كان من الأنانية الاهتمام بكيفية ولادة طفلهن، وكيف يشعرن أو كيف ُيعاملن، ولكن ما لا يعرف أغلب الناس أن الأم إذا شعرت بالكسر أو الإحباط أو الاكتئاب أو الصدمة، فسيؤثر ذلك بالسلب على صغيرها.
تحتاج كلّ امرأة إلى الشعور بأنه قد تم استشارتها واحترام اختياراتها من خلال إعطائها المعلومات التي تحتاجها لاتخاذ تلك الخيارات بحرية لصالحها وصالح صغيرها وهذا هو بداية الطريق لتجربة أمومة مُتوازنة.
إقرئي أيضًا
ما هي حركة الولادة الإيجابية؟
حركة الولادة الإيجابية هي حركة أنشأتها ميلي هيل عام 2012 لدعم حقوق النساء الحوامل حول العالم في خوض تجربة ولادة إيجابية خاصة بشروطهن.
قامت ميلي بهذا العمل من حاسوبها الخاص داخل منزلها وهي ترعى أطفالها الثلاثة الصغار في نفس الوقت، فشغفها بفكرة الولادة الإيجابية كحق من حقوق الإنسان لجميع النساء الحوامل جعلها تتحدث عن هذه القضية في وسائل الإعلام وفي المؤتمرات والفعاليات رفيعة المستوى على الصعيدين الوطني والدولي.
انطلاقًا من تجاربها الخاصة في الولادة، وإحباطها المتزايد كلما سمعت عبارة “لم يسمحوا لي” في قصة ولادة، واصلت في إسماع صوتها حول العالم في عالم الولادة، وألّفت كتاب الولادة الإيجابية، والولادة مثل النسوية وكلاهما من أكثر الكتب مبيعًا.
حركة الولادة الإيجابية (PBM) أو Postive Birth Movement هي مجموعة مجتمعية بهدف إعلام النساء باختياراتهن للولادة، ومشاركة قصص الولادة الإيجابية وتقديم الدعم للنساء أثناء الحمل وبعده.
اجتماعات حركة الولادة الإيجابية مفتوحة لجميع النساء الحوامل والأمهات والعاملين في مجال الولادة ويتم توجيهها من خلال موضوع مناقشة مختلف كل شهر، والذي تحدده المجموعة الشاملة عبر الإنترنت.
يتم تصور الولادة الإيجابية على أنها أي ولادة تشعر فيها المرأة بالتمكين من خلال الوصول إلى المعلومات وحرية الاختيار، لذا فإن أي ولادة من الولادة في المنزل إلى الولادة القيصرية يمكن أن تكون إيجابية.
هناك أهمية كبرى في الوصول إلى المعلومات الصحيحة أثناء الحمل المتعلقة بخيارات الولادة وما يمكن توقعه أثناء تجربة الولادة، ولكن غالبًا ما يحصل هو أن ممرضة التوليد وأخصائي الرعاية الصحية يقدمون دعمًا ومعلومات محدودة، فيتعين على الحوامل أن يكتشفن المعلومات بأنفسهن!
كل امرأة تستحق تجربة ولادة إيجابية
تهدف حركة الولادة الإيجابية إلى تحدي السلبية والخوف الذي يُحيط بالولادة الحديثة، والمساعدة في تغيير الولادة إلى الأفضل، لذلك تُعتبر الولادة قضية نسوية بامتيار ولا يجب حذفها من قائمة القضايا المهمة التي تتم مناقشتها عالميًا وعربيًا فيما يخص حقوق المرأة.
لكلّ امرأة كامل الحق في التحكّم الكامل في الخيارات المُتاحة أمامها لخوض تجربة الولادة كما تُريد، كالمكان الذي تريد أن تكون فيه، خيار الولادة الطبيعية أو القيصيرية في حدود معرفتها بالمخاطر الطبية أو الفوائد الصحيّة لكلا الخيارين.
وهذا أمر يقع على عاتق الطبيب المُتابع وطاقم الرعاية الصحيّة أن يتم توضيحه لها قبليًّا، فلها كامل الحق بأن تكون الخيارات موضّحة وليست مليئة بالخوف والمجهول.
يجب الاستماع إلى النساء ومعاملتهن باحترام وكرامة مع حفظ الذكريات الخاصة بالولادة وجعلها دافئة وجميلة.
الولادة الإيجابية تعني الولادة التي تشعر فيها المرأة بأن لديها حرية الاختيار والوصول إلى المعلومات الدقيقة، لا يجب أن تكون الولادة الإيجابية “طبيعية” أو “خالية من التخدير” – بل يجب أن يتم إبلاغها بكل الخيارات ومساعدتها باتخاذ القرار المناسب لها ولطفلها.
إقرئي أيضًا
يمكنك الولادة بإيجابية في المستشفى أو في المنزل، مع أو بدون تدخل طبي. يمكن أن يكون لديك ولادة قيصرية إيجابية، أو ولادة منزلية إيجابية.
الولادة الإيجابية تعني الاقتراب من الولادة بشكل واقعي، واختيار حقيقي، والشعور بالقوة من خلال تجربتك.
حركة الولادة الإيجابية هي واحدة من الحركات التي تدافع عن حق المرأة في التحكم بجسدها وحمايته ورعايته بالشكل الذي تريده.
وعلى الرغم من تطوّر الدراسات وانتشار حملات التوعية عالميًا…. إلا أن المرأة لا تزال تعاني من انتقاص وإهمال في حقها في التحكم بجسدها وإقرار ما تراه مناسبًا وخاصة في عالمنا العربي.
حيث لا تلقى المرأة الدعم المجتمعي المناسب ولا الفهم المناسب لحالتها الجسدية والنفسية قبل وبعد وأثناء الولادة ولا التقدير المناسب لهذه العملية المعقدة الصعبة التي تؤثر على حياة الأم والطفل.