شعور العار شائع جدًا لدى المرأة المسلمة عند الإفطار لعذر شرعي في رمضان. فبقعة دم على سروال داخلي، هي جرس إنذار لأي فتاة عربية في شهر رمضان، فالدورة الشهرية لا تقتصر على مجرد تقلصات، أو شعور مزمن بالألم، بل هي بمثابة إعلان عسكري لمجموعة من الأحكام العُرفية على المرأة!
وهذه الأحكام العُرفية لم تأت بها شريعتنا السمحة، ولم يأمر بها النبي، صلوات الله وسلامه عليه، بل تتكلّف المرأة، وحدها، فاتورة باهظة، من مشاعر الخوف، بسبب هذه النزعات الذكورية، الناتجة عن جهل مكتمل بحقيقة الشرع الحنيف!
جسد المرأة.. لماذا نحمل له كل هذه الكراهية؟
في العالم العربي، يميل الناس إلى اعتبار رمضان شهرًا مقدّسًا يجب أن يتنزه عن الأخطاء والشوائب، وعن كل ما يُلطّخ طهارة الشهر الكريم، ويصبح التديّن الشعبي الساذج والذي يكاد يكون موسميًّا بالنسبة للكثيرين هو الوقود لبعض الأفكار الجاهلة، التي تغرس كراهية عميقة للمرأة، لاسيما وقت الدورة الشهرية. كأن المرأة يجب أن تخجل من جسدها!
تقول جين أوشر، أستاذة علم نفس صحة المرأة في جامعة ويسترن سيدني:
إن هناك تاريخًا طويلًا من المُحرّمات الشعبية المتعلقة بالدورة الشهرية للمرأة، في جميع الثقافات تقريبًا، ولا يزال الخجل من جسد المرأة يظهر بطرق خفية ومعقدة.
وتؤكد جين أوشر، أن هذا لا يؤثر فقط على شعور المرأة تجاه دم الدورة الشهرية، بل يتجاوز ذلك ليتملكها الشعور بالعار من جسدها نفسه! والخوف من أن ينظر إليها الرجل على اعتبارها من القاذورات!
والمُستقر في الذهن العربي هو اعتبار الدورة الشهرية للمرأة أمرًا مرتبطًا بالأوساخ، بما يستدعي الاشمئزاز من جسدها، وقد يقول البعض أن الأمر يتعلق بالسوائل الخارجة من الجسد الأنثوي، وكأن الرجال هم قطع من الحلوى تتحرك بيننا!
إن الرجل العربي يعتقد، غالبًا، أن أي شيء يخرج، من جسد المرأة، مماثل لنفايات الشوارع، مثل: دم الدورة الشهرية، وإفرازات الثدي، والعرق، كأن سلوك الجسد البيولوجي هو دليل دامغ يكفي لوصم المرأة بما يجب أن تخجل منه!
شراء مستلزمات الدورة الشهرية في رمضان مهمة مُقلقة
آلاف الفتيات والنساء في العالم العربي ينتابهن القلق، عند شراء المستلزمات الصحية للدورة الشهرية، لاسيما في شهر رمضان، وبعضهن يصبحن غير قادرات على الوصول إلى هذه المستلزمات، وذلك بسبب الممارسات الذكورية، لبعض المحال التجارية، التي قد تستبعد مثل هذه المنتجات في شهر رمضان!
إن الجزء الروتيني، من حياة النساء، هو الذهاب للمحال التجارية مع بداية الدورة الشهرية، لشراء منتجات تتعلق بها، مثل الفوط الصحية، وإذا فعلن ذلك، في شهر رمضان، قد ينالهن نظرات مهينة، وقد تكون تجربتهن سيئة للغاية!
وبعض الفتيات العربيات يضطررن، في شهر رمضان، لإعادة استخدام فوط صحية قديمة، لئلا يضطررن للشراء، وقد تلجأ الكثيرات منهن إلى استخدام الجوارب، والملابس القديمة، كبديل عن الفوط الصحية الجديدة، وهذه البدائل تتسبب، غالبًا، في تهيج الجلد، والحكة المهبلية، والإفرازات البيضاء أيضًا! وربما يتسبب كل ذلك في حدوث العدوى، أو في مضاعفات جسدية أخطر في المستقبل!
معاناة المرأة الحامل والمرضعة في رمضان. . متى تنتهي؟!
في المجتمعات العربية، تواجه النساء الحوامل والمرضعات معاناة مستمرة، بشأن أمر الإفطار في رمضان، فمن ناحية شرعية ثابتة، قد أحل الله لهن الإفطار؛ من أجل المشقة التي يتكبّدنها طوال الشهر، ومن أجل سلامة أطفالهن أيضًا!
لكن من ناحية أخرى، تُقابل هذه المنحة الإلهية نظرة استنكارية، من كثير من الرجال وأحيانًا حتى من النساء أنفسهن، إذا ما أفطرت أمامهن امرأة حامل أو مرضعة!
وهو الأمر الذي قد يدفع عددًا من الحوامل للصيام، دون أن يدركن أنهن بذلك يحرمن أطفالهن من التغذية الكافية، وهو أمر بالغ الخطورة!
والشائع، في حالات كثيرة، أن تتخذ النساء المرضعات نفس خيار الصيام، ويتضررن من عدم إدرار حليبهن، والصيام ببساطة هو السبب في ذلك!
والمجتمع العربي، بما يتّصف به من شيوع العقلية الذكورية، هو المسؤول عن تعرض هؤلاء النساء لمثل هذه المخاطر، وهو الذي يغذي فيهن الشعور الدائم بالعار والإحساس العام بالذنب، عند الإفطار في شهر رمضان، سواء بداخل أو خارج إطار الأسرة!
في شهر رمضان. . هل لديكِ أماكن كافية للاختباء؟
تظهر بقوة مشاعر الخوف لدى المرأة العربية، في شهر رمضان، من أن يلحق بها العار، إذا أفطرت لعذر، في حاجتها الدائمة للاختباء عن أعين الآخرين من أول يوم للدورة الشهرية!
والخوف من التشهير هو ما قد يدفع بعض الفتيات أو النساء للبقاء في المنزل، بعد الانتهاء من العمل، وفي بعض المجتمعات العربية المُحافظة جدًّا قد تلجأ مجموعات من النساء إلى التغيّب عن العمل خلال أيام الدورة أثناء رمضان.
أما النساء اللاتي يذهبن للعمل، فغالبًا ما يتعرضن لمضايقات إذا تناولن وجبة طعام أمام الرجال، حتى لو اقتصر الأمر على قضمة واحدة!، وبذلك تصبح حركتهن أكثر تقييدًا! وتصبح هناك حاجة ضرورية للاختباء!
وبعض الفتيات يذهبن لدورات المياة، الخاصة بالعمل، ليحصلن على رشفة ماء دون أن يراهن أحد!
وأكثر من ذلك، عندما تضطر فتاة، عند عودتها من العمل، للاختباء طوال نهار رمضان في غرفتها؛ لئلا يراها أبوها وأشقاؤها الذكور وهي تأكل!
ويحدث أحيانًا أن يجتمع عدد من الفتيات، مع بداية شهر رمضان، في مسكن واحد، ليستطعن تناول الطعام والشراب، دون أن يخضعن للمراقبة باستمرار كأنهن أسرى حرب! وعلى عكس ذلك، لا يواجه الرجال، في شهر رمضان، أية دوافع للاختباء، فليس هناك أية قيود على ما يقومون به من أنشطة مختلفة!
والمثير للسخرية أن الشعور بالحاجة للاختباء الدائم قد يلاحق امرأة مسلمة أفطرت لعذر، ثم يدفعها للتخفي بعيدًا عن الناس، بقدر أكبر مما لو جاهر رجل مسلم بالإفطار في نهار رمضان بلا عذر شرعي!
انتزاع ملكية الحقوق الطبيعية للمرأة!
تؤكد الطبيبة دينا نبيل، أخصائية الأنف والأذن في مستشفى الدمرداش الجامعي، في القاهرة، بمصر، في حوار حصري لعَشْتَار المجلة، أن العقلية الذكورية العربية لا تنتزع من المرأة حقوقها الطبيعية عندما تأتيها الدورة الشهرية فحسب.
بل إن تلك العقلية الذكورية تتجاوز ذلك، لتطمع في كل حقوق المرأة، مثل الاستيلاء على نصيبها في الميراث، أو عندما يقرر الرجل دفع أجرًا ضئيلًا لامرأة مقابل وظيفتها!
أي أن النظرة الدونية للمرأة، من المحيطين بها، ليس أمرًا جديدًا، بل هو استمرار لانتهاك الحقوق الطبيعية لها، حتى لو كان ذلك على حساب صحتها!
وذكرت د. دينا أنه كثيرًا ما جاءها في المستشفى نساء لمداواة آذانهن الدامية، بعد ما تعرضن للضرب المبرح من أزواجهن!، حتى لو كان الأمر يتعلق بخصوصيات أجسادهن، وحاجتهن للاحتفاظ بأسرار الجسد!
شهادات حقيقية تفضح مثالية زائفة!
ونقلت د.دينا نبيل لعَشْتَار المجلة، شهادات حقيقية، لمجموعة من الفتيات اللاتي تعاملت معهن، وكان لكل منهن تجربتها في تعامل المجتمع معها، بشأن الدورة الشهرية في شهر رمضان، سواء كان ذلك بمزيد من الدعم، أو بالاستنكار والملاحقة باتهامات العار والخزي. تقول ن. ر:
يا نهار أسود. . يقولون لي: إذا بُليتم فاستتروا. . يقولون لي كل مرة إن رخصة الإفطار ليس معناها ألا تراعي مشاعر الصائمين، عليكِ مراعاة مشاعر الصائمين فهذا أعظم عند الله من رخصة إفطارك!
وتقول أ.ي: “من سنتين كنت أعمل في شركة بها مسلمون وهنود، وفي نهار شهر رمضان كان جميعهم يفطرون، بينما أنا عندما تناولت قطعة بسكويت، كانت ردود الأفعال استنكارية للغاية!”
تخبرنا أ.أ :” عندما كنت حامل في الشهر السابع، دخلت مسجد نساء في رمضان، أثناء الصيف، لأشرب الماء، لم ترحمني أي سيدة بالمسجد عندما شاهدنني أشرب الماء، وكدت أتعرض للطرد، من المسجد، في ذلك اليوم!”
وتحكي د. دينا نبيل، لعَشْتَار المجلة، تجربتها الشخصية، فتقول أن تجربتها كانت إيجابية للغاية، كان أغلب من يسكن منزل دينا من النساء، ولم يكن هناك داعي للاختباء من أحد، أو حتى الشعور بالخزي لتناولها الطعام في النهار، وعندما تزوجت دينا وحملت بطفلها الأول شجّعها زوجها على الإفطار.
ويمكنك أن تلاحظ، في مجتمعاتنا العربية، أن شهادات النساء تتفاوت من بلد لآخر، ومن بيئة لأخرى، ففي بيئة داعمة سيكون في انتظار المرأة مشاعر المحبة والتعاون، لتوفير كل الطرق الممكنة لكي تشعر بالراحة، والاستقرار النفسي والصحي.
وعلى النقيض، ففي بيئات أخرى، قد تجد في انتظارها مشاعر الاضطهاد، والاستهجان، وملاحقتها بالنظرات الغاضبة طوال أيام الدورة الشهرية!
المواجهة أفضل وسيلة مقاومة ممكنة
لن يكون لديكِ ما تخجلين منه إذا استطعت المواجهة!، ورغم كل تعقيدات مجتمعاتنا العربية، إلا أن أكثر طريقة ناجحة لإيقاف تجاوزات الكثيرين يجب أن تكون بعدم التردد في إشهار البطاقة الحمراء مع أول مخالفة!
وذلك من خلال إعلان كل امرأة حقها الكامل في امتلاك جسدها، وحقها الكامل في مراعاة ما يمر به جسدها من تغيرات بيولوجية لا عار فيها! وأن تسأل من يلاحقها بإشعارات العار أينما تذهب: ما هو المُهين في إفرازات الجسد؟ ما هو المُهين في الرغبة الشديدة في تناول رقائق البطاطس، والشوكولاتة، في نفس الوقت؟
ما هو المُهين في اضطرار امرأة إلى استخدام الفوط الصحية أو السدادات القطنية؟
ومع أول مواجهة حقيقية، ستجد المرأة أن جدار الدعاوى الذكورية غير الحقيقية سينهار من الضربة الأولى، وستجد أن الرجال الحقيقيين والنساء الحقيقيّات هم من يعترفون بحق المرأة، في التحرر من أوهام المجتمع، التي تحرمها من أن تكون امرأة طبيعية!
التصالح مع الجسد أولًا وآخرًا
يجب أولًا أن تتصالح المرأة مع حقيقة أنه، عندما يتعلق الأمر بالدورة الشهرية، فلا داعي للشعور بالخجل على الإطلاق، فكل نساء العالم ينزف لديهن المهبل مرة في الشهر، لنحو أسبوع أو أقل، فإن لم تحدث مصالحة موضوعية وفورية، بين المرأة وجسدها، سيصبح الجسد مثل بركان على حافة انفجار!
ومن الواضح أن معظم الفتيات يشعرن بالخجل قليلًا في البداية، عندما يتعلق الأمر بشراء لوازم الدورة الشهرية، لكن ثقي بي عندما أخبرك أن راحتك أهم من كل ذلك!
وقد يؤدي وجود شريكة لكِ إلى جعل الأمر أقل ترهيبًا، فيمكنك اصطحاب صديقتك إلى الصيدلية، أو المحال التجارية التي تقصدينها لشراء ما يلزمك من مستلزمات!
ولا تترددي في الذهاب وحدكِ وشرائها فورًا، إن لم تجدي صديقة متاحة في ذلك الوقت!، وربما توفر لك المحال التجارية، التي تعمل بها نساء، فرصة عظيمة للتغلب على مخاوفك!
والأهم من ذلك، أن تتذكري دائمًا أن شهر رمضان هو شهر طاعة الله، وأداء العبادات على نحو ما جاءت به الشريعة السمحة!
وهذه الشريعة هي التي أباحت لكِ الإفطار في نهار شهر رمضان لعذر، بل وأمرت به؛ لئلا تتكبّدي مشقة الصيام في ظل آلام الدورة الشهرية و تخبّطاتها الهرمونية!
عن المرأة في رمضان، إقرأ أيضًا
غرس مفاهيم إيجابية عن الصورة الذاتية للجسد مبكّرًا
رغم محاولات الكثير من النسويات من خلال حملات على منصات التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، لمواجهة حملات التنمّر، والسخرية، ومشاعر العار والإحساس بالذنب، والخزي المُصاحبة عادة للدورة الشهرية بشكل غير واعي، لاسيما في شهر رمضان.
إلا أن السبب الرئيسي لمثل هذه السلوكيات السلبية يبقى هو الجهل بحقيقة الجسد والوعي الذاتي باحتياجاته ويسري ذلك على سائر المجتمعات التي يتغلغل فيها نظام أبوي مسيطر في تربية الإناث والذكور.
فإذا ما تمّ منذ الصغر غرس مبادئ ومفاهيم احترام احتياجات الجسد، وطبيعة سوائل كل جسد، والمهام الفسيولوجية التي ينتج عنها خروج هذه السوائل، وطبيعة التغييرات التي يمر بها جسد المرأة كل شهر، سيختلف حينها تعامل كل من الرجل وكذلك المرأة نفسها، تمامًا، مع وصمة العار المُلتصقة بالدورة الشهرية.
وحينها لن نجد ذلك الرجل الأحمق الذي يسأل أمه أو أخته، في نهار رمضان: لماذا تتناولين الطعام بينما أنا صائم؟!، ولن نجد هؤلاء الأطفال العابثين في الشوارع، وهم يلاحقون الفتيات، بألعن السباب، إذا أفطرن أمامهم! أو تلك الأم التي تطلب من ابنتها الاختباء في غرفتها لتأكل مُتوارية عن أعين أخوها أو أبوها!
إن أنجح طريقة لوضع حد لمثل تلك الممارسات الخاطئة، بشأن المرأة، هي غرس المفاهيم الواعية، منذ الطفولة، بداخل الأسرة، وفي المدارس والجامعات! وقد تعتقد أن الحديث عن الجسد، والتفاصيل البيولوجية له، سيكون أسهل عندما يكبر الطفل!
ولكن في الواقع، أن العكس هو الصحيح، إذ سيكون الأمر أصعب وأعقد بكثير، إذا حاولت أن تقنع أحدًا بتغيير طريقة تفكيره، بعد أن اعتاد على ممارسات خاطئة لسنوات! والأمر لا يتعلق فقط بآلام الدورة الشهرية، ومراعاة مشاعر المرأة في ذلك الوقت!
بل هو وثيق الصلة بقدرة الآباء والأمهات على التواصل مع أطفالهم، وتعليمهم: احترام الذات، واحترام الجسد، ومراعاة الاختلافات بين الرجل والمرأة، ومراعاة حق المرأة في التعبير عن نفسها بطريقة آمنة دون خوف أو خجل!