يا كعـك العيـد يا احنـا. . يا بسكـويت يا احنـا. . يا شرباتات يا احنا في الكوبايـات يا احنا. . عند البياع يا احنا
مع أول أيام عيد الفطر المبارك، في كثير من الشوارع العربية، لن تخطئ آذانك هذه الأغنية القديمة، المرتبطة بأفراح العيد لدى الصغار والكبار، والمُفعمة بالحب، على نحو لن تجده في كثير من الأغنيات الحديثة، المُصطنعة بشكل مبالغ فيه.
وفي مصر، قِبلة العرب وبلد الأزهر الشريف، ومقصد محبي آل البيت في العالم الإسلامي، يصبح لعيد الفطر طقوس فلكلورية تتجلى بالطاعات والابتهالات، وتتحلى بأطيب صنوف الحلوى الشهية!
ليلة عيد الفطر في مصر. . إجراءات فورية عاجلة
بمجرد أن تضع قدمك في أي شارع، بأي محافظة، في جمهورية مصر العربية، مع أول ليلة لعيد الفطر المبارك، ستغمرك حالة من النشوة التي تحملك مباشرة إلى ذكريات الطفولة.
مئات المحال والمخابز المصرية ستحمل إليك، مع أول ليالي العيد، روائح العجين والكعك بمختلف أشكاله وأنواعه، وستجد حتمًا عشرات الأطفال، وهم يحملون على أكتافهم صواني الكعك، إلى الأفران القريبة من بيوتهم، وهم يتنافسون أيّهم ينتهي أولًا!
العيد فرحة وأجمل فرحة تجمع شمل قريب وبعيد. . سعدنا فيها. . بيخليها. . ذكرى جميلة لبعد العيد
بصوتها العذب الشجي، أصبحت المصرية “صفاء أبو السعود” علامة مُسجّلة على قدوم أول أيام عيد الفطر، بعد تأدية صلاة العيد في ساحات المساجد والعودة سريعًا إلى المنازل، تنطلق أغنية صفاء أبو السعود، لتكون بمثابة النشيد القومي للشوارع المصرية، الفارق الوحيد الذي ستلاحظه، أن الجميع يردد وراءها دون ملل!
هنا في مصر. . يرتبط الناس بالمأكولات في كل المناسبات الدينية والاجتماعية: في رمضان، والأعياد، وشم النسيم، والمولد النبوي الشريف، ويكون للحلويات حضور قوي في مناسبة مثل عيد الفطر المبارك.
وبين زحام المخابز وبين أغنيات الثمانينات والتسعينات القديمة، ستجد أن سر العيد بمصر هو البساطة الخالصة دون أي تكلُّف!
الكعك عنوان بيوت مدينة الإسكندرية
في مدينة الإسكندرية، حيث أسكن، تهوى الأمهات أغنية شريفة فاضل “والله لسه بدري يا شهر الصيام”، كعلامة مؤثرة على وداع الشهر الكريم، وعلى أثير موجات الراديو يبدأن في إعداد الكعك قبل العيد بأسبوع واحد على الأقل.
ومع الارتباك الذي تتسبب فيه إعلانات الكعك التلفزيونية، تصبح الأفضلية لدى الأمهات في صالح الكعك المنزلي!
تكاليف صناعة الكعك في المنزل بسيطة نوعًا ما، سواء أكان بالبندق أو الملبن، على الأقل ستكون على النصف من مثيلاتها لدى محال الحلويات ذائعة الصيت مثل “كلاسيك” و”شهد الملكة” و”العبد” و”ديليس”.
أدوات بسيطة مثل صاج حديدى محترق بفعل السنوات، وكيلو أو أكثر من الدقيق الأبيض، وسكر وسمن مع إضافات بسيطة، هي أسلحة الأمهات في معاركهن الموسمية، لإسعاد الأبناء كل عيد.
لعنة الإعلانات تصيب حلوى العيد
تحكي السيدة ه.ر في حوارها مع عَشْتَار المجلة، أن عيد الفطر بالإسكندرية هذا العام اختلف عن ذي قبل، ففي السابق كان الناس أكثر قابلية للفرح بالكعك، وسائر حلوى العيد عن هذه الأيام، وذكرت لنا أنها ترى أن التكنولوجيا هي المسؤولة عن ذلك بشكل أو بآخر، فالمعروض من مئات شركات الحلوى، عبر شاشات التلفزيون، يفوق حد التصور!
ورغم كثرة الإعلانات الترويجية للشركات الكبرى، إلا أن الصورة الذهنية النمطية لبائع البقلاوة، وبائع الزلابيه، على ناصية الشارع، تحتل أذهان المصريين فيما يتعلق بحلوى عيد الفطر المبارك.
فمن سنوات قليلة، وقبل تغيير المشهد الإعلاني والإعلامي لصناعات حلوى العيد، كان وقوف ذلك البائع على الناصية، قبل العيد بليلة واحدة، هو الإعلان الترويجي الرسمي لحلوى العيد!
أسعار فلكية. . بعد أزمة عالمية
في حواره مع عَشْتَار المجلة، يخبرنا مؤمن السيد، مدير حلواني قصر السنوسي بالإسكندرية، قبل شارع خالد ابن الوليد بخطوات، أن أشباح وباء كورونا مازالت تتربص، وتترقب المشهد، وتؤثر على أرزاق الناس، ويذكر لنا أن مبيعاته قد تأثرت بشدة، بعد أن تعرض لإغلاق كامل، وأصبح في شلل تام عن مواكبة التغيرات العالمية!
ومع الأخذ بالإجراءات الاحترازية، يتحسّن المشهد في مصر نوعًا ما، وتتراجع إجراءات الإغلاق، لتشهد أسعار حلوى العيد ارتفاعًا ملحوظًا، وتصل إلى أسعار فلكية في كثير من الأحيان.
ويحذّر مؤمن، في حديثه معنا، من مادة اسمها “الأصنص”، وهي بمثابة نكهة يضيفها بعض التجار ويغشّ بها المنتج، إذ تعطي الكعك رائحة تشبه رائحة السمن البلدي، لإيهام الزبائن أن الحلويات تم إعدادها من السمن البلدي، وهو السبب الذي يدفع الكثير من الأمهات للابتعاد عن شراء الكعك من الخارج.
ورغم أن الإقبال على شراء الكعك عاد كعهده السابق، إلا أن كثيرًا، من أهل مدينة الإسكندرية، الذين اعتادوا الشراء كل عام، يحتاطون ويقومون بموازنة دقيقة بين جودة الكعك والمبلغ المدفوع فيه!
بسكويت وغوريبة بالفستق وقراقيش بالعجوة
إذا سَمحت لك الظروف بزيارة هذه المدينة في فترة رمضان وعيد الفطر، فستجد أن أكثر من نصف أهل الإسكندرية يظلون مستيقظين، من صلاة العشاء وحتى صلاة العيد!، إنهم يقتلون الوقت بمشاهدة مسرحيات عادل إمام القديمة، والقضاء على صواني الكعك المحشو والسادة، والقطائف والكنافة المتبقية من ليالي رمضان.
في هذه المدينة الساحلية، لا يقتصر العيد على الكعك الأبيض اللذيذ، بل تتنافس الأمهات السكندريات في اكتشاف أحدث فنون الحلوى كل موسم جديد عند إعداد أي حلوى لها صلة بالعيد، مثل الغوريبة، والبيتى فور، والبسكويت المتنوع بالأطعم المختلفة، وكذلك السابلية والقراقيش، لاسيما القراقيش بالعجوة.
وفي حواره مع المجلة، يحكي لنا عبدالرحمن حمدي، بائع في منطقة سيدي بشر على الترام، أن الإقبال على حلوى العيد لا يقتصر على الكعك فقط، بل هناك أيضًا طلبات شراء متزايدة على البسكويت والبيتي فور والقراقيش السادة والمحشوة أيضًا.
ويذكر لنا عبدالرحمن أن فئة الأطفال تحب البيتي فور للغاية، نظرًا لأشكاله الأنيقة المختلفة، وتزداد طلبات البسكويت لدى الفئات الأكبر عمرًا؛ لأنهم يفضّلون تناوله مع الشاي وغيره من المشروبات الساخنة.
إقرأ أيضًا
السمن. . أسرار صناعة الكعك لدى الأمهات
المدهش أن صباح أول أيام عيد الفطر في الإسكندرية، غالبًا ما يكون الجو مشمسًا كل مرة، ونسمات الهواء تتسرب بين النوافذ والشُّرفات حاملة روائح البخور الزكية، والتي عادة ما ينظر إليها، أهل هذه المدينة الساحلية، على أنها من بقية الطقوس الدينية الراسخة في الوجدان المصري!
ومع روائح العود، تخترق الأنوف روائح السمن البلدي، الذي هو بمثابة المادة الخام الأولى لصناعة الكعك، وبقية حلويات العيد اللذيذة، وستجد أن الأم السكندرية بإمكانها أن تستغني عن أي شيء، من أدوات ومواد صناعة الكعك. . عدا السمن البلدي!
مسحوق السكر. . الفانيليا. . كميات الدقيق، كلها أشياء يمكن للأم السكندرية التقليل في بعضها، أو الإضافة في بعضها، بقدر أعلى من الآخر، بينما علبة السمن البلدي يجب أن تنتهي عن آخرها!
وهو السر في أسعار الحلويات التي تعتمد بأكملها على السمن البلدي، على النقيض مما تم إعداده بغير السمن البلدي.
احتفالات الطعام التلفزيونية في الإسكندرية
احتفالات التلفزيون المصري الصاخبة، هي إحدى ملامح عيد الفطر المبارك، والتي اعتاد عليها المصريون من زمن، وفي قناة الإسكندرية التليفزيونية، ومع أول لحظات العيد، يبدأ ماراثون مستمر من المسلسلات، والبرامج، والأفلام التي لا تنتهي حتى نهاية آخر أيام العيد!
وعقب كل فيلم، وبين إعلانات المسلسلات، ستجد برامج طهي تكرر عليك وصفات الكعك والبيتي فور المثالية!
وفي الزيارات العائلية، في مدينة الإسكندرية، غالبًا ما ستصادفك مسرحية “سك على بناتك” للفنان المصري الراحل فؤاد المهندس، وعلى صوت المسرحية الكوميدية، ستجد في الجوار. . مشروبات التمر هندي، والكركدية، والخروب اللذيذ!
وستفاجئك كميات هائلة، من أطباق الفول السوداني، وهي تحتل الجزء الأكبر من مائدة بيوت مدينة الإسكندرية، لاسيما إن كانت الأسرة تنحدر أصولها من الجنوب، من صعيد مصر.
ولو كنت ضيفًا على أسرة سكندرية، لكن تنحدر من القاهرة والأقاليم حولها، ستجد أن الاهتمام الأكبر بحلويات المعمول، واللوز، والجوز، وعين الجمل، والبودينج بالشيكولاتة، والفانيليا.
وربما أضافوا الكريم شانتيه لقطع البيتي فور، وستجد كرم الضيافة، من أهل الإسكندرية، يأبى إلا أن تتناول، بالإضافة للحلوى والمشروبات السابقة، المشروب الرسمي للعيد المبارك: “الشربات”.
ستشعر كما لو أن مدينة الإسكندرية تحمل إليك الحفاوة العربية، في ألطف صورها على الإطلاق!