مع استقبال مولودك الجديد تستقبلين معه الكثير من المشاعر الجميلة كالفرح والبهجة والإثارة لحياة ونمط جديد، وأحيانًا تتزاحم معها الشعور بالخوف والقلق الكبير والذي قد يصل أحيانًا إلى ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة.
وعادة ما يرتبط اكتئاب ما بعد الولادة بالتغيرات الكيميائية والاجتماعية والنفسية المرتبطة بالإنجاب والتي تعاني منها الأمهات الجدد خاصة إذا كانت هذه هي تجربتهم الأولى في الحمل والولادة.
اكتئاب ما بعد الولادة ليس عيبًا في الشخصية أو ضعفًا منك، فهو من مضاعفات الولادة الطبيعية التي تحدث لفئة ليست بقليلة من الأمهات.
إذا كنتِ تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة ولاحظت بعض الأعراض الشائعة له، يمكن أن يساعدك العلاج في تخطي هذه المرحلة والارتباط بطفلك بطريقة صحيّة والعناية به بالشكل المطلوب.
هناك فرق بين الكآبة النفاسية واكتئاب ما بعد الولادة
من الضروري جدًا التفريق بين الأعراض الطبيعية التي تعاني منها الأم بعد الولادة، كالصعوبة في النوم والإرهاق وانخفاض الرغبة الجنسية وتغيرات المزاج والتي تدخل في ما يسمى بالكآبة النفاسية أو البيبي بلوز Baby Blues وبين علامات اكتئاب ما بعد الولادة Postpartum depression وأعراضه الشديدة، كفقدان الإحساس بالمتعة والشعور بالتقصير الشديد تجاه طفلك وإيجاد صعوبة كبيرة في رعايته.
وفي حالات قصوى يتولد تفكير في الانتحار أو التفكير من التخلص من الطفل بالرغم من وجود مغالطات مجتمعية كبرى وأوساط طبية أيضًا تروج لفكرة أن كل أم مكتئبة سوف تقتل طفلها وهو أمر غير صحيح ولا يجدر الترويج لهذه الثقافة.
لذلك من المفيد جدًا التسلح بالعلم والمعرفة الصحيحة من مصادر علمية وطبية موثوقة لمواجهة الإشاعات حول الأمومة والأمهات.
لا تسمحي للاكتئاب أن يتمكن منك إذا كنت تعانين هذه الأعراض بعد الولادة
تتمثل أبرز الأعراض التي تصيب الأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة في البكاء المفرط، صعوبة العناية والإهتمام بالطفل، فقد تلاحظين أنك تفضلين الانسحاب من تجمعات العائلة والأصدقاء. يُصاحب ذلك فقدان الشهية أو الأكل بالطريقة المعتادة، مع عدم القدرة على النوم أو النوم المفرط. إضافة إلى التعب الشديد أو فقدان الطاقة، كما قد تلاحظين انخفاض في الرغبة في الحياة عمومًا وعدم القدرة على الاستمتاع في الأنشطة المختلفة.
يمكن أيضًا أن تعاني من التهيج الشديد ونوبات الغضب، والشعور بالعار أحيانًا كونك تعتقدين أنك لست أمًا صالحة، فالشعور بعدم القيمة أو الخجل أو الذنب أو النقص يزيدان من تدهور حالتك النفسية والمعنوية و في بعض الأحيان يتطور الأمر إلى اختلاق أفكار لإيذاء نفسك أو طفلك.
لذلك نجد أن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة تطول في مدتها وهي أكثر حدة من الكآبة النفاسية العادية.
عوامل تحيط بك قد تزيد من خطر إصابتك باكتئاب ما بعد الولادة
يرى بعض الأخصائيين أن لانخفاض معدل الهرمونات بعد الولادة عامل كبير في تزايد الاكتئاب كهرمون الأستروجين الذي يلعب دور هام في انقباضات عضلات الرحم أثناء الولادة والبروجسترون المسؤول عن تهيئة بطانة الرحم لاستقبال البويضة المخصبة وكذلك هرمونات الغدة الدرقية الأساسية والهامة للغاية خلال مراحل الحمل الأولى والتي يعتمد عليها الجنين في النمو الطبيعي للدماغ والخلايا العصبية.
والبعض الآخر من المهتمين والباحثين يراهن أن وجود بعض المشاكل العاطفية كالشعور بقلة الجاذبية عند المرأة بعد الولادة والشعور بالذنب تجاه الطفل كل هذه عوامل من شأنها أن تساهم في تفاقم الوضع وتحوله من أمر طبيعي إلى مرض نفسي يصعب التغلب عليه أحيانًا.
وهناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة مثل: وجود تاريخ في الأسرة من الاكتئاب سواء أثناء الحمل أو في أوقات أخرى.
وقد يكون لاضطراب ثنائي القطب دور أيضًا، أحيانًا يفضل الابتعاد عن أفراد العائلة المصابون بالاكتئاب أو اضطرابات مزاجية أخرى.
ولا يجب أن تنسي أبدًا أن التعرض لأحداث مرهقة خلال فترة الحمل أو معاناة طفلك من مشاكل صحية يلعب دوره الحاسم أيضًا، وإذا كان لديكِ توائم أو أكثر من طفل سوف يُصعّب عليك مهمة الرعاية. أو لديك صعوبة في الرضاعة الطبيعية، وأحيانًا وجود مشاكل في علاقتك مع شريك حياتك.
و لانعدام الدعم الأسري و الاجتماعي دور كبير وفعال في هذه النقطة، أو وجود مشاكل مالية أيضًا، كلها عوامل تلعب دور كبير في إصابتك بالاكتئاب.
ولعل أكثر الأسباب المؤدية لاكتئاب ما بعد الولادة هو أن الحمل غير مخطط له أو غير المرغوب به من الأساس.
الآباء الجدد قد لا ينجون أيضًا من إكتئاب ما بعد الولادة
قد يراه البعض أمر غير معقول ولكنها حقيقة مثبتة علميًا أن يعاني الآباء الجدد من اكتئاب ما بعد الولادة أيضًا. فقد يشعر البعض بالحزن أو الإرهاق، أو الشعور بالإحباط مصاحب بتغيرات في أنماط الأكل والنوم وهي غالبًا ما تكون نفس الأعراض التي تعاني منها الأمهات أثناء اكتئاب ما بعد الولادة.
في حالة الآباء الذين يكون لديهم تاريخ مرضي من الاكتئاب، أو يعانون من مشاكل في العلاقة أو مشاكل مالية خاصة بعد استقبال طفل جديد، هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة.
سبل الوقاية والتعامل الأمثل لمواجهة اكتئاب ما بعد الولادة
هناك الكثير مما يمكن للمرأة وعائلتها القيام به أثناء الحمل مما يقلل من فرصة إصابتها باكتئاب ما بعد الولادة والكثير من الاضطرابات والقلق المعرضة له، أو قد يلعب هذا على الأقل دورًا في الحد من هذه الأعراض.
التغذية
تحتاج أدمغتنا إلى تغذية صحية وبروتين لتعمل بشكل ملائم. فيجب توفر نظام غذائي متوازن مع كمية كافية من البروتين لتحقيق الصحة العاطفية المثلى لتجنب أي النوع من الاضطرابات النفسية.
كما يجب شرب الماء بالقدر الكافي فهناك بعض الأبحاث عن العلاقة بين شرب الماء وزيادة القلق التي تشير إلى وجود صلة بين الجفاف والقلق. الأمهات الحوامل معرضات بشكل كبير لخطر المشاكل المرتبطة بعدم كفاية شرب الماء.
كما أن للرعاية الذاتية Self-Care مهمة للغاية ولا يصنف ذلك أمر أناني حتى عندما يأتي طفلك، يجب أن تغذي نفسك بشكل جيد مع فترات الراحة عند الحاجة، والاستحمام، وقضاء الوقت مع الأصدقاء، وأي شيء آخر يحتاج إليه عقلك وجسمك.
النوم والراحة
مع إنجاب طفل حديثًا يجعل من الصعب الحصول على نفس كمية النوم الطبيعية لك والكافية لجسمك، ولسوء الحظ فإن الحرمان من النوم قد يؤثر بشكل كبير على صحتك النفسية والعقلية بحسب ما أظهرته الدراسات.
بالنسبة للنساء اللواتي لديهن تاريخ مرضي سابق (خاصة الاضطراب ثنائي القطب)، يمكن للنوم الكافي أن يحدث فرقًا في منع الانتكاس أو الخضوع لهذه الأمراض.
التمرينات الرياضية
أثبتت الدراسات أن النساء اللواتي يمارسن نوعًا من التمارين الخفيفة إلى المعتدلة كل يوم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب أو القلق بشكل عام مقارنة باللواتي لا يمارسن التمارين الرياضية أبدًا.
أعلم أن رعاية طفلك الجديد قد تمنعك من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو ممارسة اليوغا بالخارج فكل ما عليك هو الاعتماد على أداء بعض التمارين الخفيفة في المنزل مع الحرص على الحركة والنشاط الدائم والبعد قدر الإمكان عن الخمول والكسل.
يساعد ذلك على انخفاض هرمونات التوتر مثل الكورتيزول و زيادة الإندورفين الذي يعتبر من أهم مسكنات الألم والذي يفرز بشكل طبيعي في جسم الإنسان.
الوعي الكافي عن الذات
الوعي والفهم عن ذاتك سيساعدك في تخطي القلق والإكتئاب في حالة تعرضك له بعض الولادة.
فالنساء اللواتي يحملن تاريخ سابق مع المرض أكثر استعدادًا لتفادي أعراض الإكتئاب وكذلك أقل عرضة للإصابة بشكل غير متوقع بنوبة من الاكتئاب والقلق وأكثر احتمالية لوضع تدابير وقائية.
كل ما تحتاجينه هو فهم كيفية عمل دماغك، وما هي نقاط ضعفك و محفزاتك، وما تحتاجينه أكثر لتحسين نفسيتك والذي يمكن أن يحدث فرقًا في تعافيك من الإكتئاب والقلق بعد الولادة.
الدعم الاجتماعي
تبحث الأمهات والسيدات عمومًا عن تشكيل شبكة إجتماعية يمكن مساعدتها وتقديم الدعم الكافي لهن في أوقات الأزمات والضغوطات المختلفة، أرى أنه أمر إيجابي للغاية لتفادي الكثير من الإضطرابات النفسية المعرضة لها النساء، فالدعم الاجتماعي غير الكافي هو أحد العوامل الرئيسية في تطوير الاكتئاب أو القلق بعد الولادة.
للأسف مع ظهور أعراض إكتئاب معا بعد الولادة يشعر البعض بالحرج والتردد في الإفصاح عنه والاعتراف به، إذا كنت تفكرين في مصلحة طفلك وعائلتك يجب مشاركة مشاعرك مع الآخرين لمساعدتك على تجاوز أي اضطراب أو حزن من شأنه أن يتطور ليصل إلى الاكتئاب الحاد الخطير.
تجربة حقيقية وملهمة لمواجهة اكتئاب ما بعد الولادة
بالرغم من الإرهاق النفسي الذي قد تصل إليه بعض الأمهات نتيجة للاكتئاب، إلا أنه من الممكن تجاوز الأمر بالعلاج المناسب، وتختلف العلاجات من شخص لآخر، ويرجع ذلك لشدة الحالة وعوامل صحية وشخصية أخرى، من حسن الحظ وجود بعض النماذج الملهمة من الأمهات التي لا ترى أي حرج في مشاركة تجاربهن عن الإكتئاب لمساعدة الآخريات في محنتهن مدركين مدى المعاناة التي يمرون بها.
تحكي إحدى محاربات إكتئاب ما بعد الولادة تجربتها الشخصية.
“لأنني عانيت من اكتئاب كبير خلال الكلية، فجأة بعد الولادة واجهت عودة الاكتئاب من جديد. بعدها توقفت عن الرضاعة وبدأت في تناول مضادات الاكتئاب، مما أحدث فرقًا كبيرًا. استدركت نفسي وحاولت بشدة أن أمنع الاكتئاب من العودة والتمكن من جديد. ومع ذلك، ظهرت نفس الأعراض: البكاء المستمر، والشك في الذات، والأفكار السلبية المستمرة حول الفشل، وغيرها من الأعراض المزعجة. ولكن قررت هذه المرة، ألا أدع الإكتئاب يسيطر علي تمكنت من السيطرة عليه في وقت مبكر. توقفت عن الرضاعة عندما كان طفلي يبلغ من العمر ستة أشهر وعدت لاستخدام مضادات الاكتئاب.”
وتضيف قائلة: “بدأت أيضًا في قضاء بعض الوقت في العلاج المعرفي وهو شكل من أشكال العلاج بالكلام يعلمك كيفية إدارة التفكير المؤدي بدوره إلى الإكتئاب. في غضون بضعة أسابيع، تخلصت من أفكاري السوداوية والحزينة. باعتمادي على العلاج المعرفي، تعلمت كيفية تحويل أفكاري السلبية إلى أفكار أكثر إيجابية. ولا يمكنني إنكار دور الدعم الذي تلقيته من زوجي وعائلتي وشبكتي الاجتماعية عمومًا في تخطي هذه المرحلة.”