تصدّرت الترند العربي مؤخرًا أخبار وتفاصيل دقيقة من الحياة الشخصية للفنانة شيرين عبد الوهاب.
حيث كَثر القيل والقال والهرج والمرج، الفتاوى والآراء عنها وعن حياتها من طرف المنصات الإعلامية وكذلك من طرف الجماهير العربية المُتابعة بتعطّش لأخبار الفنانين الخاصة.
شيرين ضحيّة الشهرة
ما حدث أو يحدث مع شيرين عبد الوهاب يدخل في إطار الحياة الخاصة بدون أدنى شك، وهي ليست المرأة الوحيدة التي تعرّضت لانكسارات مرّة تلو الأخرى.
ملايين من النساء يخرجن من علاقات منكسرات تمامًا ليجدن أمامهن فرصة ذهبية من أجل ولادة جديدة.
ولكن ما يجعل من هذه الأحداث الخاصة حديث الساعة هو كون شيرين شخصية معروفة تدفع مثلها مثل عشرات المشاهير ضريبة الشهرة.
ورغم أن العديد منهم ينجحون بالفعل في الحفاظ على أسرار وتفاصيل الحياة الشخصية وإبقاء الإعلام بعيدًا عنهم إلى حدٍّ ما، يبقون قلّةً فقط مقارنة بآخرين يضعون هم بأنفسهم مسلسل حياتهم أمام الملأ.
فتكون النتيجة سيئة عاجلًا أم آجلاً، خاصة في زمن مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين الرقميين.
كثيرات من الفنانات العربيات يُخطأن بالمبالغة في التحدّث عن تفاصيل حياتهن الشخصية والإفراط في المشاركة الإعلامية لكلّ المواقف والمشاعر والأحداث من زواج، انفصال أو خلافات مع زملائهم الفنانين، حيث تصبح حياتهن تحت المجهر.
ربما يقول قائل، إنّها طريقة ذكيّة للتسويق لأنفسهن وإبقاء اسمهن متصدّرًا للترند، قد يكون صحيحًا نسبيًّا، فلا يمكن تعميم هذه القاعدة على الجميع.
وسواء كان بهدف التسويق أو سلوكات إنسانية عفوية، لها عواقب شديدة مع الوقت.
تصوّر أن تعيش ألم الانفصال وفي نفس الوقت ألم الأكاذيب، الإشاعات والقيل والقال من ملايين الأشخاص الذين لا تعرفهم، يُعطون نفسهم الحق ليس فقط في إبداء رأيهم بل في مهاجمتك في شخصك أو السبّ والشتم.
إضافة إلى نسج سيناريوهات لا نهاية لها من الوقائع الوهمية.
وللأسف، نجد أن ثقافة الخصوصية واحترامها تكاد تكون غائبة كليّةً في العقلية العربية.
وفجأة، يصبح هذا الفنان وهو وسط مأساة شخصية مُطالبًا أيضًا بعمل تصريحات لتأكيد أو نفي خبر، نزولًا عند رغبات الجماهير المُتعطّشة ولغلق أفواه الإعلاميين أو المُتشبّهين بهم.
وهو ما حصل حين ظهرت الفنانة شيرين حليقة الرأس بعد إعلانها الطلاق، في أول حفل لها في أبو ظبي.
ردّة فعل طبيعية قد تقوم بها أي امرأة أو حتى رجل يمرّ بظروف نفسية وعاطفية صعبة، ولكن طبعًا، كثرت الأقاويل والتفاسير والتحليلات الساذجة والسطحية كالعادة، التي تُشير إلى أن زوجها السابق من قام بحلاقة شعرها على الزيرو انتقامًا منها.
مما اضطّر الفنانة وسط كل الغليان الذي تعيشه إلى أن تنفي تلك الهرطقات عبر تغريدة لها على حسابها الرسمي بتويتر، تقول فيها الآتي:
ليه ميكونش لوك جديد؟ ليه ميكونش تغيير؟ ليه ميكونش أنا اللي عملت كده حتى لو عندي اكتئاب؟ ليه فرضتوا السيىء والأسوأ وظلمتوا شخص بريء وظلمتوني… أنا قوية بيكوا، بس محبش حبكوا ليا يخليكوا متشوفوش الحقائق أو تكونوا ظالمين.
فقبل أن تكون شيرين ضحيّة خذلان رجل ما، هي بالتأكيد ضحيّة تدفع ضريبة شهرتها والمبالغة في مشاركة تفاصيل حياتها الخاصة مع الجمهور والإعلام.
هل احتاجت شيرين ل’جرح تاني’ لكي تستفيق؟
جَرحْت قَلبِي وجَرْح القُلوب غالي.
كلمات غنّتها شيرين بنجاح ذائع الصيت في أغنية ‘جرح تاني’ من ألبوم يحمل نفس الاسم صدر سنة 2003، لامس إحساسها العالي وعذوبة صوتها، فهي ملكة الإحساس، ملايين من العاشقين للموسيقى الطربية والأصوات الجميلة.
تغنّي المطربة نفس الأغنية الآن كما لم تُغنّها من قبل على عشرات المسارح، فهي تغنّي وتُسلطن على ألمها هي وجرحها هي.
‘جرح تاني’ غنّتها شيرين بحرقة على المسرح أمام جمهور عريض من مُحبّيها، في أول ظهور لها بالإمارات، بعد إعلانها رسميًا الانفصال عن زوجها الفنان حسام حبيب.
قيل أن شيرين لقيَت حضنًا كبيرًا من جمهورها المُشتاق إلى فنّها وروحها التي كادت أن تذبل في ‘كسرة’ القلب وقصص الحبّ الفاشلة.
شيرين عبد الوهاب امرأة ذات طاقة أنثوية عالية جدًّا، وبقدر ما يكون هذا الأمر مستحبًّا والأكثر جذبًا في كلّ امرأة، إلاّ أنه يشير إلى جانب مظلم نغفل عن رؤيته.
فامرأة مثلها تحتاج إلى توازن عاطفي ونفسي كبير، يُجنّبها الوقوع مرّة تلو الأخرى ضحيّة المُحيطين بها.
المرأة عالية الأنوثة غالبًا ما تتنازل عن حقوقها أو ‘تَسْتَكْثِر’ على نفسها المُطالبة بها.
ذلك أنها غير متّصلة جيّدًا بذكورتها، وما نقصده هنا هو تلك القوة والشجاعة في الحزم والحسم في الأمور التي عادة ما نرى أنها صفات ذكورية أكثر من أنثوية، ليس كشخص وإنمّا كطبيعة بشرية، من منطلق أن لكل إنسان شقّين في شخصيته؛ هما الذكورة والأنوثة، (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
والتوازن بين الطبيعتين يُحقّق إنسان سويّ ومتوازن نفسيًا وعاطفيًا سواء كان رجلًا أو امرأة.
يتمثّل هذا المفهوم في اليين واليانغ في الثقافة الصينية القديمة واليابانية أيضًا، وهو منطق يتّصف بالحكمة في تفسير العلاقات بين الناس والكائنات والظواهر المُعقّدة في الكون.
ومن جانب آخر، نجد أن التلقائية والصدق والعفوية صفات لا نستقبلها على نحو جيّد أو محايد في ثقافتنا العربية، فهي غالبًا ما يتمّ ربطها بالضعف والسذاجة أو الغباء وتُستغّل.
في الحين الذي نهلّل للممثلين البارعين وراء أقنعتهم، الذين يعرفون كيف يتكلّمون وينمقّون الأحاديث ويُبدون الآراء بشكل ديبلوماسي إرضاءً لهذا أو ذاك، أو تلميعًا لصورة مزيفة أو برستيج معيّن يستميتون للحفاظ عليه.
هذا لا يعني أن يغدو الإنسان يتكلّم بكّل ما يجول به خاطره، فلا يحترم كبيرًا ولا صغيرًا ولا يُراعي الأزمنة والأماكن أو المواقف التي يتكلّم فيها، الإشكال كلّه هنا يقع في عدم فهمنا لعفوية وبراءة شيرين.
فشخصيتها ذات الطبيعة المُركّبة تحوي أجزاء قوّة مُنعجنة بضعف.
الطاقة العاطفية المذهلة تخفي ذكاء كبير من نوع خاص وحساسية عالية يفتقر إليها الكثيرون.
والتلقائية والعفوية التي تُفسّر كاندفاع وتسرّع تحوي معها أيضًا إنسانية كبيرة ورغبة خفيّة في التواصل الصادق وخلق الجسور مع جميع الفئات من الناس.
إقرأ أيضًا
لفترة ليسب بالقصيرة، كان يحصل جلد مُستمّر لشيرين على المنصات الإعلامية، فلا تكاد تخرج من موقف حتى تدخل في آخر أسوء منه، فهي تارة تُهين بلدًا وأخرى تسيء لفنان معروف، لدرجة أنها قالت في أحد حفلاتها في السعودية:
أنا مش بعرف أتكلم أوي وأخذت عهد على نفسي إني متكلمش ومقولش رأيي، مقولش أي حاجة أنا بحس بيها.
لم تكن شيرين تعي آنذاك أنها تقوم بقمع جزء كبير وجميل من شخصيتها، عوض أن تقوم بتطويره والعمل على موازنته. في نفس الحفل، قامت باستدعاء حسام حبيب طالبة منه التحدّث عوضًا عنها لأنه يعرف كيف يصوغ الكلام كونه مثقف، قائلة:
لكن إحنا في وضع دلوقت لازم نقول فيه كلمة حق، وأنا نفسي حسام جوزي يساعدني فيها، هو هنا وأنا أحبه يشاركني الكلمة دي عشان دي رسالة وهو شخص مثقف وواعي.
يمكن أن نرى هنا أن شيرين بتواضعها المبالغ فيه، وقمعها لتلقائيتها، كانت تُسلّم مفاتيح نفسها وعالمها كلّه لشريكها.
في جميع الأحوال، مهما كانت الأسباب الحقيقية للانفصال والحالة النفسية السيئة وغير المستقرة الحالية لشيرين، حين يحصل هذا الشرخ الذي يسمى طلاق أو حتى انفصال عاطفي بين شخصين جمعتهما مشاعر معينة، غالبًا ما يطال الألم كلاهما، ويكونان ضحيتين لأنفسهما وظروفهما المُحيطة.
التي تبدو جليّة لأي مُتابع لأزمة شيرين الأخيرة، حيث لعب والد زوجها دورًا عملاقًا في التدخّل السافر في حياتهما. وهذا لا ينفي الخذلان الذي تعرّضت له الفنّانة من طرف زوجها.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الزاوية المختلفة في تناول وتحليل أزمة شيرين الفّنانة والإنسانة هو؛
هل ستكتفي شيرين بجرح تاني لكي تستفيق من غيبوبتها، غيبوبة الثقة العمياء في غير محلّها ومنح عواطفها، اهتمامها وتقديرها لمن لا يستحق أو غير قادر على منحها ما تستحقّه امرأة مثلها فعلًا؟
هل ستتعلّم شيرين الدرس هذه المرّة هي ومئات النساء اللواتي يرين أنفسهن فيها، بحيث تتوقّفن عن العطاء بلا حدود لأنه مسموم ومؤذي وغير متوازن!
أنا كده فوقت.
شيرين عبد الوهاب
على الأقل هذا ما قالته الآن في أزمتها الحالية.
حلاقة الشعر كفعل ثوري أو إعلان للحداد
انتفضت شيرين على صدمتها بفعل ثوري أكيد، حلقت شعرها لتثور، أو تُعلن حدادها على فقدان الحبيب الذي تأمّلت فيه العوض عن جرح سابق، أو لتضع حدًّا فاصلًا بين نسختها القديمة والجديدة التي تتوق لتكشف عن نفسها.
تنافست المنصّات الإعلامية على إيجاد تفسير واضح لردة فعل شيرين، مُتناسين بذلك بأنها مثل أغلب النساء؛ كائنات مُعبّرة بالدرجة الأولى عن التغييرات التي قد يمرّون بها في الداخل في المظهر الخارجي.
فعادة، عندما عندما تصبغ بلون مثير، تقص قصّة مختلفة أو تحلق تمامًا امرأة شعرها، فإن ذلك يعني أن الوقت قد حان لتغيير جذري في حياتها.
والشعر بالنسبة لنا نحن النساء رمز لأنوثتنا، وهو الشيء الذي ربما نستطيع السيطرة عليه بشكل فوري، خاصة إذا ما كنّا نعيش مرحلة الانفصال أو أي تجربة مؤلمة أخرى لا نكون قادرات فيها على ضبط مشاعرنا والمضي قدمًا بالسرعة التي نريد.
قد تعني حلاقة الشعر أيضًا الرثاء على النفس أو نوع خفيّ من الجلد الذاتي، أو بداية الحداد على فقد معيّن.
بالنسبة للمرأة أكثر من الرجل، تكون حلاقة الشعر على الزيرو بشكل مفاجئ لبتر الذكريات المتعلقة غالبًا بعملية الترابط التي نمرّ بها مع شخصية الأم في حياتنا وما يرتبط بذلك من معاني كالتضحية والإيثار وبذل الجهد من أجل الآخر الذي لا يُبادلنا نفس الشيء.
وكأن المرأة تقول من خلال هذا الفعل:
أنا لم أعد أريد أن أكون مضحيّة مثلما كانت أمي أو كما كنت سابقًا، وبهذا سوف أخلق لنفسي وأظهر بهويّة أنثوية جديدة قوية وليست ضعيفة أو مستضعفة.
مهما كان التفسير، ما يهم هو أنّه عنى لشيرين شيئًا مهمًّا وهي حرّة في حياتها وكيفيّة التعبير عن ألمها أو فرحها.
سابقة ربما في الساحة العربية ولكن سبقنها نساء أخريات من المشاهير العالميين. من بينهن؛ أيقونة البوب المغنية الأمريكية بريتني سبيرز قبل عقد من الزمن تقريبًا حين كانت تعيش أحلك فترات حياتها.
بريتني سبيرز أيضًا حققت انتصارًا هذه السنة على نفسها وعلى النظام الأبوي الذي يمنح الأفراد سواء كانوا إناثًا أو ذكورًا أو الأنظمة، القوانين أو المؤسسات حق وامتياز السيطرة والتحكّم في أفراد آخرين بحيث يتم استضعافهم وسلبهم كرامتهم.
لقد تمكّنت بريتني من نيل حريتها أخيرًا بعد سنوات من فرض والدها الوصاية عليها وعلى أموالها.
وإن كان هذا يؤكد شيئًا، فهو أن أغلب الظلم والاستغلال على المستوى الشخصي الذي قد يطال امرأة في الشرق أو في الغرب يكون من أقرب الناس لها.
رغم كلّ الدعم والاحتضان المعنوي الذي لاقته شيرين، حين ستضع رأسها ليلًا على وسادتها، سوف تذرف الكثير من الدموع التي لن يمسحها عن وجهها أحد، وسوف تتنهّد التنهيدة وراء الأخرى ولن يكون بمقدور أحد سماعها.
إلى شيرين وكلّ امرأة مرّت أو تمر بنفس الأزمة أو أزمات أخرى أقسى وأشدّ؛
أكرمي جراحك، واحتضني حزنك طويلًا قبل أن تقرّري في يوم قريب أن تتنكّري له في محاولة يائسة للفرار أو النسيان، فالحزن يحتاج مراحل من الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب ليصل أخيرًا إلى التقبّل والمصالحة مع النفس وبلوغ شيء من السلام الداخلي، فلتعيشي مراحلك كلّها.
الشفاء يحتاج الشجاعة، (وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى)، والحياة الطيّبة تكون للشجعان فقط.
من هذا المنبر، نقدّم كلّ الدعم والتعاطف مع شيرين عبد الوهاب، الفنّانة، الأم والإنسانة.