تربية وعلم نفس

رحلة تغريب الذات في تربية البنات… مأساة كلّ فتاة عربية!

رحلة تغريب الذات في تربية البنات… مأساة كلّ فتاة عربية!
شارك الموضوع

هل انطباعاتنا عن أجسادنا كإناث تشكّلت بإرادة حرة؟

قد يكون الحب والرحمة والاهتمام بالأطفال أمر غريزي فطري تمارسه الأم بأي مكان بالعالم تجاه أطفالها، ولكن التربية والتعليم هو أمر غير فطري على الإطلاق.

هو أمر معقد وصعب للغاية ويحتاج للكثير من الانتباه والاهتمام ويجب على كل أم أن تطوّر ذاتها ومعارفها قبل وبعد الإنجاب، وهذا واجب عليها تجاه أطفالها ذكور أو إناث.

ولكن عليها أن تكون أكثر حذرًا وقوةً إن كان الطفل “فتاة” ومولودة بعالمنا العربي!

لماذا على الأمهات الحذر عند تربية الإناث؟

عندما نقرأ هذه التساؤلات في عالمنا العربي أول ما يجول بخاطر المتلقي هو أنَّ الحذر الكبير واجب عند تربية البنات لأمور تتعلق بالشرف والعذرية والزواج وتقبّل المجتمع!

أي كل ما يخص ويرتبط بالمجتمع الذكوري الأبوي والموروث الثقيل الذي أتعب كاهل كل الفتيات العربيات.

وجملة الأسباب هذه تنسى أو تتناسى وجود الفتاة وحاجياتها وكأنها أمر ثانوي إذا ما قيست برغبات الرجل الغامض الذي سيتزوجها و “يستر عليها” بالعبارة الشعبية المعروفة.

وكأنها تعيش بفضيحة كبرى وبغربة تامة حتى يظهر الرجل الشجاع الذي يتقبلها و يقبل بها لأنها حافظت على نفسها!

الحقيقة أنَّ هذه الطريقة بالتعاطي والتعامل مع تربية “الأنثى” أظهرت جيل كبير غير مسؤول تجاه ذاتهن وبناء أنفسهن، لأن المرأة التي لم تعتد أن تفكر وتعتمد على ذاتها في بناء وتكوين شخصيتها هي متلقي من المجتمع الذكوري الذي تحرسه الأمهات والرجال بالدرجة الأولى!

وإن تدمير امرأة واحدة وتدمير شخصيتها لا يعني تدمير شخص واحد فقط، لأن المرأة هي بداية لسلسلة أخلاقية ومجتمعية فبناؤها يعني بناء الكثير وهدمها يعني النقيض.

رحلة تغريب الذات عند البنت العربية

تبدأ رحلة تعذيب وتغريب الذات عند البنت العربية منذ طفولتها فهي ترى نموذج كبير لمجتمع متكامل يعامل المرأة على أساس شكلها من قبل مجتمع أبوي يحكمه هو وفق ما يناسبه.

وترى المرأة المتمثلة بداية بأمها وخالاتها وعماتها متماهية مع هذا الدور وحتى تدافع عنه وتعلمه لابنتها حتى تكون في المستقبل أم صالحة وتأخذ كل هذه الأفكار وإن كانت لا تعيها بدقة إلا أنها في وقت لاحق ستصبح أكثر وضوحًا وستترجم أفعالًا فيما بعد وستصبح من البديهيات والمسلمات.

وتصبح هذه المشكلة أكثر وضوحًا مع بدء بلوغ البنت وانتقالها من الطفولة لطور الأنوثة ليبدأ البناء الهادم للبنت العربية، ويبدأ ضخ الأفكار الغريبة والمشوهة للبنات من الأمهات حول جسدهن وشكلهن.

بداية يبدأ التركيز الكبير على الشكل والجمال دون الجوهر والشخصية لأن شكلها هو جواز سفرها الرسمي للقبول من المجتمع الذكوري.

وكذلك تُخرج الأمهات كل ما لديهن من كبت وطاقة سلبية أخذوها تجاه أشكالهن من الجيل السابق إلى بناتهن، لذلك نجد في اللاوعي عند الكثير من النساء اللواتي يعانين من مشاكل بالمظهر الخارجي من الصعب نفسيًا تقبل إنجاب البنات كأنهن منافسات أو أنهن تكرار لتجربتهن السيئة مع أشكالهن ودليل على الفشل المجتمعي.

ما تفعله الأمهات أمام بناتهن أكثر أهمية مما يقلن

الكثير من الأمهات يتحدثن عن عيوب بناتهن أمامهن ونعني بها “العيوب الشكلية” وهو أمر مهين ومدمر للشخصية بشكل لا يصدّق.

لأن التقدير العائلي هو الدافع الأكبر لاحترام الذات والقدرة على النجاح والاستقلالية، والكثير من الأمهات تجبر بناتهن على القيام بالكثير من الأعمال الأنثوية غير الطفولية في سن مبكر جدًا.

في وقت لا تكون الفتاة فيه راغبة أو قادرة على ذلك “كإزالة الشعر “وغيرها، وذلك لكي تحصل على قبول الأمهات المدافعات عن المجتمع الذكوري والتي قد تقوم بعد عشر سنين بخطبتها لابنها!

ونبقى عالقين ضمن هذه المتاهة التي ترهن عمر وحياة الفتاة العربية للمجتمع الأبوي وقضاياه ورغباته، فنسمع عن أم تقول لابنتها أن شكل أنفها غير جميل أو شعرها غير متناسق وأن ابتسامتها غير مثالية، أو تتم مقارنة الفتاة بإحدى قريناتها؛ بأن تلك جسمها أنثوي ومثير ولكنك لست كذلك تحتاجين للعمل على هذا!

هذه الكلمات قد تضمرها الفتاة ولا تستطيع الرد عليها لأنها تسمعها أصلًا من المصدر الذي يجب أن يعلمها فكيف إن كانت أمها التي تجعلها تركز على شكلها ولا تساعدها لتحقيق الثقة بذاتها والاهتمام بالأمور الجوهرية!

نحتاج لأن نقضي وقتًا أقل أمام المرآة

ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز النظرة الدونية للذات التي حصرها المجتمع بالشكل والجسد، فقد ساعدت الحالة المثالية الزائفة التي تظهر بها “الفاشنيستا والبلوغر” وغيرهم إلى شعور المرأة العادية المُتابعِة بالأسى وعدم الرضا تجاه الذات.

إقرأ أيضًا

والواقع يختلف عما نراه بالشاشات أولًا لأن عمل هؤلاء النساء هو من خلال الحفاظ على الشكل والجسد، ثانيًا استخدام الفلاتر والكاميرات عالية الدقة والجودة يساهم بتحسين الصورة الخارجية بشكل مبالغ فيه جدًا.

إضافة لوجود عدد كبير من الأخصائيين يهتم بهن ليكونوا بالشكل الأمثل. وتأثير هذا الأمر مدمر لها في المنزل بعلاقتها مع زوجها وحتى في عملها فعدم الثقة بنفسها قد يكون عائقًا يقف بوجه إبداعها وتقدمها.

كيف يؤثر التقدير المنخفض للذات على العلاقة الحميمية؟

الأنثى التي تربّت ضمن مجتمع يقيّمها على أساس شكلها وحسب فهي نوعان إما تحمل داخلها تقدير منخفض للذات لعدم امتلاكها الشكل الأمثل والمقبول مجتمعيًا وهي لن تكون إنسانة متوازنة مع زوجها وخاصة أثناء العلاقة الحميمية لأنها لا تتقبل جسدها فكيف تستطيع تقبل جسد آخر.

ولأنها سيلازمها شعور الدونية وأنَّ الرجل قدّم تنازلت كبرى لقيامه بالارتباط بها وممارسة العلاقة معها، فستكون علاقتها الخاصة عبء عليها فتقوم بكل مرة تحضير ذاتها بشكل متعب ومنهك ليتقبلها الآخر لكنها تنس أنها هي من ليست تتقبل ذاتها وجسدها.

والنوع الثاني من النساء اللاتي أخذن تقييم عال من المجتمع لامتلاكهن أشكال مقبولة اجتماعيًا حسب معايير الجمال الذكورية وهذه أيضًا لن تكون في علاقة مرضية لأنها تشعر أن زوجها يمارس علاقته الخاصة معها لأنها جميلة فهي سلعة وبكلمات أشد وأقسى وفي عالم مواز يقال عنها “مومس”.

وهذا النوع دائمًا يعيش بتعاسته فإذا ما أعجب زوجها وقام بخيانتها مع امرأة تفوقها هي جمالًا تشعر بأن عالمها وكونها قد انهار وكل ما لديها من مبادئ وأفكار وخرافات وضعت برأسها ليس لها أساس من الصحة وأن شريكها إن كان يمتلك الوعي قد يفضل أي امرأة ذكية طموحة مستقلة عنها هي “الجميلة” لا بد قد يراها أكثر منها جمالًا لأنها تمتلك جمالها الخاص.

في تربية البنات، إقرأ أيضًا

كيفية تربية البنات على أسس صحيحة

يجب على الأمهات مساعدة بناتهن قبل الوصول لمرحلة البلوغ لأنه وقتها سيكون علاج المشكلة أصعب، ويجب عليهن جعل جميع الفتيات يشعرن بالرضا عن أنفسهن.

ولا تزال الآراء منقسمة بشدة حول سؤال قديم: هل يجب أن تخبر ابنتك أنها جميلة؟ يقول الخبراء أن تكرار عبارة “أنت جميلة” يؤدي إلى نتائج عكسية. إنه لا يحمي من الرسائل المجتمعية التي تشير إلى أن الفتيات يتم تقديرهن أولاً وقبل كل شيء لكونهن جميلات.

إذا كان ما تقصده حقًا عندما تصف ابنتك بأنها جميلة هو أنها قوية، وذكية، ومرنة، أو مضحكة، فاستخدم تلك الصفات الأكثر تحديدًا بدلاً من ذلك.

هذا ما تخبرنا به “رينيه إنجلن” أستاذة علم النفس في جامعة نورث وسترن التي تدرس صورة الجسد ووسائل الإعلام حيث تقول أنَّ الهدف من الرغبة في توسيع معايير الجمال لدينا هو هدف نبيل، إلا أن الجمال يتم تعريفه جزئيًا من خلال ندرته، وليس من واجب الجميع أن يكونوا جميلين.

لذلك، أساليب تربية البنات في أوطاننا يجب أن تتغيّر بشكل يُتيح للبنت العربية أن تُكوّن هويّة أنثوية وإنسانية سويّة.

شارك الموضوع
هلا أحمد

مواطنة سورية أعيش بتركيا من مواليد 1993 بدولة الإمارات. أحمل ماجستير في التاريخ القديم ومهتمة بشؤون المرأة، عملت في التدريس وكاتبة محتوى.