العنف ضد المرأة في الحجر المنزلي مسلسل لا يتوقف، مع تأرجح معدل إصابات فيروس كورونا بين الصعود والهبوط، كان خط العنف ضد المرأة متجه نحو معدلات مرعبة عالميًا، خاصة في منزلها الذي يفترض أن يكون واحة أمان لكنه تحول إلى جدران من الجحيم.
ما بين القتل والطرد والانتحار، تعددت أشكال الانتهاكات ضد النساء من حول العالم و المرأة العربية بشكل خاص في ظل بقائها لفترات أطول في المنزل، وتبقى معاناتها مستمرة في انتظار أن يصل صوتها لمن يرسل لها يد عون تنتشلها من “الحجز المنزلي”.
أرقام مرعبة عن العنف ضد المرأة في الحجر المنزلي
“إذا استمرت عمليات الإغلاق لمدة 6 أشهر، فإننا نتوقع 31 مليون حالة إضافية من العنف القائم على نوع الجنس على مستوى العالم”، ويُضيف رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية في أوروبا، هانز كلوغ، إن المنظمة “منزعجة للغاية” من التقارير حول “العنف المنزلي” في العديد من البلدان الأوروبية، على خلفية العزل المنزلي.
وقبع نحو 58 في المئة من سكان العالم (7.8 مليار نسمة) قيد العزل المنزلي، وتشكل هذه النسبة حوالي 4.5 مليار نسمة في 110 دول، وفق إحصائية لوكالة فرانس برس.
وتعرف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة في إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، بأنه :
أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يُرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة
“الحجر يمكن أن يكون عاملاً كبيراً مشاركًا في حوادث العنف داخل الأسرة، سواء بين الزوجين أو تجاه الأطفال، ولهذا السبب وضعنا عددًا من وسائل التنبيه والتحذير على الإنترنت، وفي مراكز التسوّق والصيدليات” وفق وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان.
كما تؤكد الإحصاءات الصادرة عن وزارة الداخلية، أن الحوادث زادت 32 بالمئة بمناطق، و36 في المئة في مناطق أخرى.
مظاهر وأشكال العنف ضد المرأة
وتشير الأمم المتحدة عبر موقعها الرسمي إلى أن أشكال العنف ضد المرأة تشمل:
1. عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء).
2. العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، الجنس غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، والمضايقة الإلكترونية).
3. الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي).
4. تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
5. زواج الأطفال.
“لا نلاحظ ارتفاع عدد المكالمات فقط، ولكن أيضًا تزايد العنف والتهديدات بالقتل”، تقول مؤسّسة ومديرة منظمة “أبعاد” غيدا عناني أن الأمور تدهورت نحو الأسوأ، و أفادت بأن عدد المكالمات الواردة إلى خطوط المساعدة الخاصة بها ارتفع بنحو 60% هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019.
وتؤكد عناني بأن الضائقة الاقتصادية هي السبب إضافة إلى افتقار المساعدات الحكومية “معظم النساء اللاتي يتصلن بنا يطلبن المساعدة قائلات: نحن بحاجة إلى هذا، فقد يقتلني ويقتل الأطفال لأنه لا يوجد لدينا طعام في المنزل. كما يقلن إنهن إذا حصلن على بعض الدعم، فربما سيتراجع العنف”.
جرائم مروعة وبلاغات العنف الأسري مرتفعة في بريطانيا وأمريكا
أما في بريطانيا فقد تم الإبلاغ عن 12 جريمة قتل خلال الأيام الخمسة الأخيرة من شهر أبريل الماضي فقط، بينها اتهام “آلان جينجز”، 32 عامًا، بقتل جدته “بيتي دوبين”، 82 عامًا، في المنزل الذي يقيمان فيه بمقاطعة أنتريم بأيرلندا الشمالية، وتعرّضت الممرضة “فيكتوريا وودهال”، 31 سنة، للطعن حتى الموت خارج منزلها في ميدلكليف، بمدينة بارنسلي، على يد الزوج “كريج وودهول”، وفق ديلي ميل البريطانية.
وأفاد مسؤولين في الخط الساخن في الولايات المتحدة لبلاغات العنف المنزلي بأن عددًا كبيرًا من المتصلين يبلغون عن استخدام معنّفيهم الفيروس حجّة إضافية لعزلهم أكثر عن العائلة والأصدقاء.
وتؤكد منظمة الأمم المتحدة أن العنف ضد النساء هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا بل وتدميرًا، وبسبب غياب آليات العقاب يظل معظمه غير مبلغ عنه، إضافة إلى الصمت والإحساس بالفضيحة ووصمة العار المحيطة به.
مقال ذو صلة
في العالم العربي، للعنف ضد المرأة قصص وحكاوي
لكن للعنف المنزلي في الوطن العربي صورًا أكثر شراسة وخطورة، في المنطقة التي كانت تعاني أصلاً من ضائقة اقتصادية وإن اختلفت المستويات من بلد عربي لآخر، ما حوّل العزل المنزلي إلى حجر من الجحيم، يصب فيه الزوج جام غضبه بسبب ظروفه المعيشية.
كما أن إجراءات الحجر في الشرق الأوسط أكثر صرامة، إذا لا يوجد أي متنفس للزوجة، فلا يُسمح بممارسة الرياضة، وكان هناك حظر تام ومنع من التسوق في بعض البلدان، ما زاد الأمر سوءًا.
وتعالت صرخات الاستجداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتكشف ما تتعرض له المرأة العربية خلف أبواب “الحجز المنزلي” بعشرات القصص.
“ولكم أنا بنذلّ كل يوم”… إيمان الخطيب تستغيث من ظلم وتنمّر أقاربها
صرخات للسيدة الأردنية إيمان الخطيب التي خرقت آذان متابعي مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن قررت أن تخرج عن صمتها.
“أنا اليوم كنت راح انقتل”، تقول إيمان الخطيب إنها تعرضت للضرب والتهديد والتعنيف، وكانت والدتها تفرض عليها تحمل نفقات شقيقها، وفي حالة العجز أو الرفض كانت تتعرض للضرب والإهانات المستمرة.
إيمان كانت الأتعس حظًا بين شقيقتيها اللتين تزوجتا وذهبتا للعيش في دبي بالإمارات، لتبقى هي بين إخوتها الذكور حبيسة النظرة النمطية للمرأة المطلقة، والتهديد بالاتهام بممارسة الدعارة إذا قررت الاستقلال بابنها صاحب الثلاثة عشر عامًا.
وهربت إيمان من “دعس” شقيقها على وجهها إلى منزل صديقتها حسب وصفها في البث المباشر الذي استخدمته لأول مرة لتحكي قصتها أمام الكاميرا “لا رح أحكي اسمحولي معلش”، لتقول إنها تعرضت لكافة أشكال العنف والانتهاكات والتنمر قائلة “ولكم أنا بنذل كل يوم”.
قصة الشابة الأردنية خرقت حاجز الصمت خلف أبواب العزل المنزلي، لتكشف ارتفاع قياسي في معدلات العنف الذي تتعرض له السيدات، والخطر الكبير الذي يمكن تعميمه على كثير من الدول التي فرضت على مواطنيها البقاء في المنزل بعد الإجراءات الاحترازية، وشارك العشرات من المغردين قصصهم على منصة “تويتر”، تحت وسم #إيمان_الخطيب.
ملاك الزبيدي تضرم النار في جسدها هروبًا من زوج متسلّط
العراقية ملاك الزبيدي أشعلت في جسدها شعلة من النار، فألقت الضوء على جانب آخر مما تتعرض له المرأة العربية، حيث حبسها زوجها عن أهلها، لتصيب النار 50 بالمئة من جسدها، وتصعد روح ملاك إلى بارئها بعد أسبوع من المعاناة في المستشفى، وفق “بي بي سي“، وسط مطالبات بالقصاص من معنفي ملاك.
ووثّقت الأمم المتحدة في العراق في منتصف أبريل الماضي تقارير عديدة تتعلق بـ إساءات مروّعة بحق النساء والفتيات، من بينها اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإساءة الأزواج لزوجاتهم، وتحرّش جنسي بالقصّر وانتحار بسبب العنف ضد المرأة في الحجر المنزلي.
وقالت دانييل بيل، رئيسة مكتب حقوق الإنسان في العراق، إن النساء يواجهن تحديات إضافية بعد الحجر، وزادت الإجراءات من مخاطر العنف المنزلي، وفي الوقت نفسه قللت من قدرة الضحايا على الإبلاغ عن الإساءة والبحث عن المأوى الآمن للحصول على الدعم والوصول للعدالة.
اقرأ أيضًا
وضعية العنف ضد المرأة في الحجر المنزلي سيئة جدًّا
وصرحت وزيرة المرأة والأسرة التونسية أسماء السحيري بأن معدلات العنف المسلط على النساء تضاعف خمس مرات، وتسجل إحصاءات الأمم المتّحدة أن 37% من النساء في العالم العربي تعرّضن لعنف جسدي أو جنسي لمرّة واحدة على الأقل في حياتهنّ، وأن ستّاً من كلّ عشر نساء معنّفات، لا يُخبرن أي جهة عن معاناتهنّ.
و قال تقرير جديد لاتحاد العمل النسائي في المغرب إن النساء يتعرضن لمختلف أشكال العنف، الجسدي والنفسي، والحرمان من الإنفاق، ومنهنّ مَن يتعرّضن للتهديد بالقتل.
وشمل العنف ضد المرأة من الزوج والأسرة الاعتداء الجسدي والاستيلاء على مدخرات الزوجات والتهديد بالطرد من بيت الزوجية في ظروف الطوارئ الصحية ما يزيد من معاناتهن.
وكشفت احصائيات الجمعية الحقوقية للنساء المغربيات والتي شملت الفترة ما بين 16 مارس و24 أبريل الماضيين، أنّ العنف الزوجي، بما فيه عنف الطليق بكل أشكاله، طغى على أنواع العنف الممارس ضد النساء، خلال فترة الحجر الصحي؛ حيث شكل نسبة 91.7 في المئة، يليه العنف الأسري بنسبة 4.4 في المئة، الذي يتضمن أفعال العنف الممارس على النساء من قبل أفراد الأسرة.
وفي مصر ألقى زوج زوجته من الطابق الخامس بعد إصابتها بفيروس كورونا، وهو واحد من أشكال العنف التي باتت تحاصر المرأة المصرية بعد كورونا، والتي تشمل القتل والتحريض على الانتحار والاغتصاب، وممارسة الجنس بالقوة ما يؤدي إلى أضرار نفسية وجسدية.
وأوضح تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول العنف الأسري، ضد الإناث عمومًا، أن نحو 243 مليون امرأة وفتاة تعرضن لأشكال من العنف الأسري والتحرش الجنسي والإساءة خلال الشهور الإثني عشر الماضية.
و دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى اتخاذ تدابير لمعالجة “الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي” ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات، قائلاً ” إن العنف لا يقتصر على ساحة المعركة. “فبالنسبة للعديد من النساء والفتيات، إن أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ: منزلهن”.