ليالي مرعبة تقضيها المرأة فور شعورها بكتلة غريبة في ثدييها.
المرض ليس غريب على أغلب السيدات، بل يكون الأقرب والمرجّح حال الشعور بتغييرات في الثدي، خاصة بعد الحملات التي تستهدف التوعية ضد سرطان الثدي للنساء.
مرض خبيث ينمو في غفلة، تنقلب حياة المرأة بين ليلة وضحاها، صمت طويل، ثم نوم، نوم ليس كالنوم، بل أشبه بالموت.
حيث تصاحب الإصابة بسرطان الثدي تأثيرات خطيرة وآثار سلبية مباشرة وغير مباشرة، تؤثر على جودة الحياة ونمط العيش لدى المصابات.
وهو ما نستعرضه في المقال الثالث ضمن مشاركة منصة «عَشْتَار المجلة» في حملة التوعية ضد سرطان الثدي.
نسرين وفاطمة فقدن الثدي و شركاء الحياة
“ابني مش من نصيبك” نسرين تفقد الثدي والشريك المستقبلي.
“عندك سرطان ثدي”، صاعقة ألمّت بالفتاة العشرينية التي لم يخفف عنها نطق الطبيبة لاسم المرض باللغة الإنجليزية، كانت الأزمة الكبيرة التي تواجه نسرين أنها كانت تستعد لحفل الزفاف قريبًا.
خبر إصابة نسرين بسرطان الثدي لم يؤثر على جودة حياتها فقط، بل طال والدتها أيضًا.
وهو ما زاد من التأثير عليها، كانت نسرين كالغريب تعلقت بقشة، فهرعت إلى إجراء التحاليل مرة أخرى في معمل آخر، عل النتيجة تكون خطأ.
طيلة فترة التحاليل كانت الأم تهذي ونسرين تتابع بعينيها فقط، يقهرها الصمت، حتى لا تسمع كل ما يقال، لكنها سمعت مرة أحرى “عندك سرطان الثدي”.
رحلة طويلة تملؤها التفاصيل المؤلمة، خاضتها نسرين، فهي الآنسة التي لم تتزوج بعد، ثم جاء القرار الصعب بإجراء التدخل الجراحي، وبعد قراءة كثيرة حول نتائج العملية وما يمكن أن يتغير في جسدها، لم يكن أمامها خيار آخر، فإجراء العملية كان الخيار الوحيد والمرّ.
خرجت نسرين من العملية وقد تغيرت ملامح نصف ثديها الأيمن، كانت الأيام تمر ثقيلة، تتلاطمها الأمواج، وتقذفها من أزمة إلى أخرى، كانت الصاعقة الأكبر بعد الخروج من العملية، حينما ردت على هاتفها، لتجد أم خطيبها.
توقعت نسرين أن “حماتها” تطمئن عليها، لكنها قالت عبر الهاتف “معلش… كل شيء قسمة ونصيب”.
في البداية تبادر إلى ذهن نسرين أن حماتها تشير إلى المرض، فردت “نعم… الحمد لله”، لكن حماتها أوضحت: “والزواج كمان… وابني مش من نصيبك”، لم تزرها حماتها منذ إصابتها بالمرض، أغلقت الهاتف ولم تبك، فقد اعتادت الألم في صمت.
كانت نسرين تتوقع فسخ الخطبة، فكيف سيتزوجها شخص يعلم أن نصف ثدييها لن يكون موجودًا، وإحساسها بالأنوثة ناقص، وتأثير سرطان الثدي مستمر معها حتى إذا انتصرت عليه، وتأكدت من ذلك حينما سألها خطيبها في الزيارة الأخيرة عن شكل ثدييها بعد العملية وهل سيزول أم سيترك أثرًا، وكانت تعلم أن فسخ الخطبة مجرد وقت.
تشاركت نسرين الألم مع رفيقاتها المصابات داخل حجرة الكيماوي، وألقت كل واحدة منهن بآلامها في بحيرة الصمت، فحكين قصصًا مؤلمة، اكتشفت حينها أنها ليست الوحيدة التي فقدت خطيبًا أو زوجًا بعد الإصابة، وأنها ليست الأكبر كارثة وأن “اللي يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته”.
“عشرة العمر” لم تنفع فاطمة بعد الإصابة بسرطان الثدي.
من بين الحاضرات كانت فاطمة السيدة الخمسينية، التي تعالج للمرة الثانية من سرطان الثدي، بعدما فقدت ثديها الأيمن، بالإضافة إلى زوجها رغم “عشرة العمر”.
خرجت فاطمة من عملية جراحية استمرت لست ساعات، لكنها لم تجد سوى إخوتها وأبنائها، سألت عشرات المرات عن زوجها الذي اكتفى بمهاتفها مخبرًا “هاجي ان شاء الله”، لتمضي ثلاثة أيام ولم يأت.
مقالاتنا عن التوعية حول سرطان الثدي
أصبح وجود زوجها في حياتها “صوريًا” تحاشيا لـنميمة الجيران، ونظرات الأبناء، لكن وجوده كان سرطان من نوع آخر.
كان صوت ضحكاته الساخرة من شكل رأسها كلما تحركت الباروكة مثل الرصاص الذي يخترق جسها ويتركها تعاني مثل الذبيحة التي لم يحسن الجزار ذبحها.
إضافة إلى نظراته التي تقتلها كلما تمعن في ثديها الناقص كلما غيرت ملابسها.
اقتنعت فاطمة أن الموت أهون من الهزيمة اليومية أمام صعوبات الحياة وآثار سرطان الثدي التي لن تفارقها، حتى أخبرها زوجها أنه تزوج من امراة أخرى، وأخبرها أنه لم يعد يستمتع بحقوقه الزوجية.
ولكنها أخفت في نفسها أنها هي الأخرى تشعر بمرارة حين يجثم على جسدها، فلم تطالبه حتى بالعدل مع ضرتها.
المعاملة السيئة والاكتئاب واقع يفرض نفسه
في أنحاء العالم العربي تكتظ قصص النساء التي تبدأ معانتهن باكتشاف سرطان الثدي.
ومعها مسلسل من المعاناة والوصم المجتمعي المرتبط بالهويّة الأنثوية التي يعتقد الجميع أنها تتمثل في شكل الجسد، وفقد الزوج أو الشريك، بل الأبناء أحيانًا والعائلة.
تفيد إحصائية صادرة عن المعهد الجزائري للصحة العمومية في عام 2018، إن 11 ألف سيدة تصاب بالسرطان سنويًا، أغلبهن تتعرض للطلاق، وتحديدًا ثلث المصابات يفقدن الزوج أو الأبناء، مع استئصال الثدي وسقوط الشعر، وهي حرب أخرى تخوضها المصابات.
لا تقف معاناة المحاربات عند الوصم أو الفقدان للشريك، تمتد إلى آثار أعمق، فـ “منار”، إضافة إلى كل ذلك، كانت تشعر بوصمها من قبل زوجها بالنقص، فهو لم يكتف بالزواج من أخرى، ولكن قسى عليها في المعاملة.
عند الاتفاق على الجماع الزوجي، كان يظهر زوجها التأفف، ويتعمد غلق النور ولا ينظر إلى جسدها، فدخلت منار في دوامات من الاكتئاب الحاد.
تقول شقيقتها الصغيرة أن نتيجة الاكتئاب الحاد الذي عانتها بسبب المعاملة القاسية من زوجها ومن آثار المرض.
إقرئي أيضًا
من غير العادل أن يكون المرض وانعدام الدعم من الأقارب هو مصير مصابات السرطان لأن ذلك يجعل من مصابهن أكثر درامية وألمًا مما هو عليه.
فمواجهة المرض في جميع مراحله أصبحت ممكنة طبيًا ولكن ما يجعل تفاصيل الرحلة قاسية هو ذلك الربط السطحي لمفهوم الأنوثة بالثدي أوالشعر أو القدرة على الإنجاب.
كلّ هذه المعايير لا تحّدد أنوثة المرأة، ما يحدّد هويتها الأنثويّة هو قدرتها على محاربة المرض وخلق احتمالات جديدة للحياة.