من تغيير المستقبل إلى فقدان الأمل، وما بين الانتصارات والانكسارات، لم تسر حياتها على وتيرة واحدة، وكأنها تعيش على خطوط متعرجة بين أقصى نقطة وأدناها، تمامًا مثل جهاز قياس نبضات القلب، إنها الناشطة والمناضلة السعودية منال الشريف.
منال الشريف، سيرة لامرأة من مكة المكرمة، كما تحب أن تعرف نفسها، لكنها ليست امرأة عادية، تحدّت أعلى الهيئات الدينية في “المملكة”، وشكلت خطرًا على الحكومة السعودية، وصُنفت من أقوى “عشر نساء هزّوا العالم”.
من هي منال الشريف؟
“أنا مجرد امرأة عادية من مكة” تقول منال الشريف في حوار تلفزيوني لقناة “بي بي سي”، إنها مثل كل نساء مكة المعروفات بقوة الشخصية، ولكنها وجدت أن المرأة السعودية محاصرة بين أربعة جدران هي الدين والسلطة والتشريعات والمجتمع، ومحظور عليها ممارسة أدنى الحقوق الإنسانية.
وقادت الشريف حملات لمناصرة المرأة السعودية، وتزعّمت مبادرات دعم “قيادة المرأة” للسيارة، ضد هيئة كبار العلماء في السعودية، ما حوّل اسم منار الشريف لقضية رأي عام في السعودية، ولكن بعد القبض عليها تحوّلت منال الشريف إلى قضية رأي عام على المستوى الدولي.
وكانت منال الشريف أول مرأة سعودية تتخصص في مجال أمن المعلومات، وحصلت في تخصصها الذي تميزت فيه على الكثير من الجوائز الدولية، واختارتها شركة أرامكو لتكون عضواً في نادي الخطابة العالمي، لإلقاء خطابات الإلهام والتحفيز.
منال الشريف شكلّت خطرًا على الحكومة السعودية
في مايو 2011، كانت الاحتجاجات تجتاح العالم العربي، وبين صراعات الأنظمة والشعوب، كان صراعٌ آخر يشتعل داخل منال الشريف، التي عادت من الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك دخلت للمرة الأولى إلى المسارح والسينما وقادت السيارة.
كانت منال الشريف تعيش داخل مجمع أرامكو، ومسموح لها بقيادة السيارة داخل هذا المجمع فقط، لكنها رأت أن وقت التغيير قد حان، ولابد أن تستنشق المرأة السعودية الربيع الذي يجتاح الشرق الأوسط في ذلك الوقت.
أدارت محرك سيارتها، وانطلقت خارج المجمع السكني وتحدّت العُرف بأن المرأة السعودية لا يمكن أن تقود سيارة، لكن بث مباشر لقيادتها للسيارة أخذ منال الشريف إلى طريق الخطر.
بحلول ظهر نفس اليوم الذي قادت فيه السيارة، كان الفيديو قد حقق آلاف المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أياد أفراد الأمن تطرق باب منزلها، ليتم اعتقالها وتصبح منال الشريف “حديث” المملكة والخليج والعالم، فقد قالت عنها هيلاري كلينتون: “ما تفعله شجاعة وما تسعى إليه هو الصحيح”.
واعتبرت حكومة المملكة العربية السعودية آنذاك أن ما تسعى منال الشريف إليه “تهديدًا” وخطرًا على استقرار نظام الحكم، في ظل موجات الاحتجاجات التي غيّرت بالفعل أنظمة حكم امتدت لعقود من الزمان، وفق صحيفة نيو يورك تايمز، وأنها ليست مجرد امرأة تدعو لحق الحصول على رخصة قيادة سيارة، فتم توجيه إليها تهمًا بتهديد نظام الحكم.
كيف نشأت المرأة التي هزّت النظام وخرجت عن العُرف؟
جيلنا الذي ولد في السبعينيات والثمانينيات هو جيل من المتطرفين.
حسبما تصف منال الشريف في كتابها الأول “الجرأة للقيادة: صحوة المرأة السعودية”، حينما بلغت سن الرابعة عشر من عمرها، كانت كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، تُحرّم قراءة كتب أجاثا كريستي، والتي كانت ممنوعة في السعودية آنذاك.
منال الشريف لم تكتف في صغرها بنهج متشدد، بل كانت تدعو له، وكانت تحطم أسطوانات الموسيقى لشقيقها الأكبر، إضافة إلى حرق مجلات الموضة والابتعاد عن الرسم الذي كانت متفوقة فيه في الطفولة.
وغيّر من أفكار منال الشريف سفرها في مهمة عمل بإذن من والدها حسب قوانين المملكة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك دخلت السينما للمرة الأولى، ورأت المسرح، وقادت السيارة بنفسها، ويعتبر السفر أو الدراسة في الخارج نقطة تحول في مسيرة المناضلات السعوديات، مثل منال الشريف وأيضًا لجين الهذلول.
إقرأ أيضًا
دورها في دعم المرأة التي تعيش واقعًا لا يتصوره أحد!
“تخطيت عامي الأربعين، ولازلت بحاجة إلى إذن والدي للسفر”، تقول الشريف في حديثها مع قناة “سي إن إن عربية”، إن هذا الواقع يسري على الجميع، حتى السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع السفر دون إذن والدها.
المرأة في السعودية تُعامل كقاصر من ولادتها وحتى موتها.
منال الشريف
توضح الشريف أن: “القانون لم ينصف المرأة في السعودية، ويُستخدم الدين لإضفاء الشرعية على “قهر المرأة”، مؤكدة أن هناك تناقض كبير بين حديث المسؤولين في السعودية حول حقوق المراة وبين الواقع، ولكن “كل الأطراف تلقي باللوم على الآخر”.
وقادت منال الشريف العديد من الحملات لمناصرة المرأة السعودية، ولم تكتف بنشاطها داخل المملكة العربية السعودية، قادت أيضًا حملة في الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2019، لتسليط الضوء على “واقع المرأة السعودية الذي لا يتصوره من هم يعيشون في الخارج”، بحسب حملتها التي انتهت بوقفة أمام السفارة السعودية في الولايات المتحدة.
ولم تثبّط الظروف الصعبة من شجاعتها، ففي اليوم الأخير من شهر مايو 2011 تم الإفراج عن بعد اعتقالها الأول بسبب قيادة السيارة، لكن فور خروجها، أطلقت حملة جديدة أسمتها “فرج” لإطلاق سراح السجينات الغريمات مقابل دين صغير لا يقدرون على دفعه، من السعوديات والإندونيسيات وأخريات من دولة الفلبين.
أين منال الشريف الآن؟
أنجبت منال الشريف طفلها الأول “عبد الله”، في المملكة العربية السعودية، وتعرض للتنمر والضرب من أحد زملائه في المدرسة بسبب نشاط والدته ومناصرتها لقضايا المرأة، فقال له أح رفقائه في المدرسة: “أنا شفت أمك في الفيس بوك، أنت وأمك لازم تكونون في السجن”.
وقالت في تغريدة لها إنها “توثق هذه الفترة في كتاب لها” وسوف تجيب فيه عن تساؤلات هؤلاء الأطفال الذي ورثوا الكراهية.
انفصلت منال عن زوجها الأول حين كانت ماتزال تعيش في السعودية، والذي عاش معه طفلها الأول عبد الله الذي نجحت في استرجاعه لاحقًا بعد خوض معارك قانونية كبيرة، وتعيش حاليًا مع زوجها البرازيلي وابنها الثاني “دانييل” في استراليا، مشددة على أنها لن تدخل أي سفارة سعودية مرة أخرى، بسبب مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي دون حساب، على حسب قولها “قتلة خاشقجي يغردون على تويتر”، وهي القضية التي تسبب في فقدانها الأمل وخمولها لفترة قصيرة.
ثائرة على الأعراف المجتمعية ورائدة في التقنية من أجل المرأة دائمًا
دخلت منال الشريف ضمن الكثير من التصنيفات وحصلت على العديد من الجوائز بسبب مناصرتها لقضية المرأة السعودية من عام 2011، تم تسميتها من قبل مجلة التايم كواحدة من أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، ومجلة نيوزويك كواحدة من عشرة ثوريين رقميين غيروا العالم، وقائمة عشرة نساء هزوا العالم في مجلة فوربس.
هي متحدثة ومُحاضرة متمكّنة في العديد من المنابر والمنصات الإعلامية والدولية مثل تيد، تحدثت في هارفارد، الأمم المتحدة، اليونسكو، المعهد العربي في باريس، مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية ومجلس الشؤون العالمية في دالاس، وغيرها الكثير.
كما تم اختيار كلمتها من بين 80 خطابًا بارزًا عبر التاريخ في منتدى الحرية في أوسلو.
منال أيضًا مدوّنة بشكل منتظم في كثير من وسائل الإعلام الدولية المعروفة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز.
أخيرًا بالعربية؛ “القيادة نحو الحرية“، هو الكتاب الأول، وهو عبارة عن سيرة ذاتية ومذكرات لمسيرة نحو حرية المرأة تقول “سجلتها لابني.. ولأشرح تفاصيل مشاركتي في حملات المرأة”، وهو كتاب تمت ترجمته إلى ثماني لغات قبل أن ينشر أخيرًا باللغة العربية.
أما الإشكالية الأكبر التي تبدو أنها تمثل أزمة في حياتها هي قضية الانتماء، بين أن يكون الإنسان منتميًا أو لا منتميًا، وهو ما تطرحه في روايتها “وفار التنور”.