كيف نربي أبناءنا في عالم مليئ بالشرور؟ سؤال يتبادر إلى ذهن كلّ أب وأم بشكل دائم، ولكنّ طرحه ومعرفة إجابته الشافية أصبح حاجة ملحّة في أيامنا هاته بالضبط.
فتزامنًا مع تأجج خطاب الكراهية والعداء في العالم، ولاسيما في الغرب وتجاه المسلمين خاصة.
حيث ألجأت السخرية من شخص النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في فرنسا، العديد من مواطني الدول العربية والإسلامية إلى تبني خيار #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية كرد فعل استراتيجي في مواجهة ما يرونها “حملة” ضد دينهم.
بات من الضروري جدًّا أن نعرف كيف نربي أبناءنا على أخلاق الإنسانية وتقبل الآخر أكثر من أي وقت مضى حتى لا يصبحوا هم أيضًا يومًا ما ضحية تقع في فخّ العنصرية الممارسة من جهة أخرى أو يُمارسوها هم أنفسهم على من حولهم.
العنصرية ليست طبيعة فطرية عند الأطفال
ويبرز التسامح هنا كقيمة أخلاقية مؤمّلة في سياقات لا تتهاون مع المساس بالمقدسات الدينية.
لذا كان على الأسرة تمثُّل عدة نصائح من أجل تربية أجيال قادرة على التعاطي مع المستجدات الراهنة والمتوقعة مستقبلًا، وفق أسس ترمي إلى الارتكاز على تقبل الاختلاف ونبذ الكراهية في التعامل مع الآخر.
يعد التمييز والعنصرية من السلوكيات السلبية التي طفت على السطح خلال الأشهر الأخيرة في أكثر من بلد.
حيث بدت كظاهرة عابرة للقارات، وعلى الرغم من تنوع وتضافر أسباب تبني هذا السلوك الشائن، إلا أنه يرجع في جزئه الرئيس إلى مرحلة الطفولة والنشأة، وما يعتنقه الطفل خلالها من قناعات أو ما يتبناه من سلوك.
وفي دراسة أجرتها جامعة بريستول في بريطانيا عام 2019، تحت عنوان “دراسة المواقف العرقية الضمنية للأطفال باستخدام الوسائل النموذجية”، تم تأكيد أن أسباب العنصرية عند الأطفال ليست فطرية ولكنها مكتسبة.
وأشارت الدراسة البريطانية إلى أن الأطفال في سن خمس سنوات يتحيزون “ضمنيًا” إلى نفس لون بشرتهم، ترافقًا مع عدم تبنيهم سلوكًا يقوم على النفور من الآخرين.
وفي هذه المرحلة توجد عدة عوامل تعمل على ترسيخ العنصرية لدى الأطفال، منها عدم الحرص على اندماجهم مع غيرهم في إطار علاقات إنسانية، كذلك حشرهم في تحالفات عنصرية، مثل التحيز للعرق واللون، كون عدم تعزيز ثقافة قبول الاختلاف، بمثابة دفع الطفل لأن يكون عنصريًا.
كذلك عدم الحديث في أمور مثل التنوع والاختلاف بين البشر، فضلًا عن انتهاج الآباء لممارسات عنصرية أمام أبنائهم، والذين يتبنونها بدورهم، كون الطفل كائن يميل إلى المحاكاة والتقليد دائمًا.
كيف نربي أبناءنا على مبادئ التسامح وتقبّل الاختلاف
تكتسب مرحلة الطفولة أهمية بالغة الخطورة، لما لها من دور رئيسي في تشكيل شخصية الطفل.
وهنا تلعب الأم دورًا مهمًا في التربية باعتبارها الراعي الأول الذي يتعاطى بشكل مباشر مع الطفل في سنوات حياته الأولى على مبادئ التسامح وتقبّل الاختلاف، ولكن هذا لا يعني بتاتًا تغييب دور الأب في المشاركة الجادة والفعلية في عملية التربية مع الأم.
الحديث عن العنصرية مع الأطفال يعد أمرًا حساسًا، وغير محبذ عند العديد من الأمهات والآباء، لشعورهنم بالقلق تجاه تعريض أبنائهم إلى هذا النوع من القضايا، رغم أفضلية مناقشتها في سن مبكرة.
الحرص على أن يكون الأب والأم مثالًا وقدوة في رفض العنصرية يقتدي بها الطفل، لأهمية دور التقليد والمحاكاة لدى الأطفال بما يدور حولهم، أمر بسيط كالنظر إلى الآخر بعين الصداقة هو سلوك يتعلمه الصغار من تصرفات البالغين في محيطهم.
تخصيص وقت للحوار مع الطفل لتصفية قلبه من آثار سيئة قد تكون علقت به نظرًا لمروره بأحداث سيئة، قد تنفع هذه النوعية من الأوقات مثلًا للمناقشة وتوضيح سبب الاستياء من سلوك الطفل عند ارتكابه خطأ ما، أوالحديث عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان لجميع الناس.
توفير بيئة منزلية آمنة للصحة النفسية للطفل، يسودها العطاء وعدم الحقد وثقافة الاعتذار بدل الإصرار على تبني السلوك الخاطئ.
تعزيز التسامح عن طريق تعليم العفو والحُب والمُبادرة بالصفح، وتعزيز الأخلاق الحسنة لدى الأطفال، ويكون ذلك عن طريق تعويد نفسك كأب أو كأم على أن تسامح طفلك، لأنه لن يتعلم “التسامح” ما لم يجد شخصَا يسامحه.
تجنيب الطفل مشاهدة الأفلام الكرتونية التي تعلم الطفل العنف والرغبة بالثأر، وتخصيص وقت لقراءة القصص المصوّرة التي تحتوي شخصيات من خلفيات ثقافية مختلفة تتفاعل فيما بينها في إطار إنساني عادي.
مقال آخر قد يحوز على اهتمامك
استراتيجيات تربوية لنبذ العنصرية في نفوس الصغار
وإذا أردنا أن نسكتمل إجابتنا عن السؤال المهم: كيف نربي أبناءنا على قيم التسامح؟ يجب أن نتحدث عن استراتيجيات تربوية لترسيخ نبذ العنصرية لدى الأطفال، لابد من توفرها على عدة مرتكزات نستعرضها كما يلي:
1. التعليم والتثقيف
تلعب ثقافة الأم والأب دورًا فاعلًا في نبذ العنصرية لدى أطفالهما، حيث يجب أن يكونا على إلمام جيد بالمعلومات اللازمة للحديث معهم عنها، مع القدرة على دعم فكرة المساواة بين البشر بشكل عام.
كذلك من أجل التمكن من إدارة حوار مجدٍ معهم، يجب أن يتمتعا بمعرفة ووعي تام حول توجهاتهم، فضلًا عن التحديات التي تواجههم، ولخلق مناخ صحي للطفل يعمل على مساعدته في رفض العنصرية.
ثقافة الوالدين ستمكنهما أيضًا من ترسيخ الإيمان بالقواسم المشتركة بين الأطفال ومن يخالفونهم، ما يمكنهم من إقامة صداقات معهم في بعض الأحيان.
ويستطيعا كذلك الإجابة عن أسئلة أبنائهما فيما يتعلق بالفروق بينهم وبين الآخرين، وعدم إغفال الإجابة، لما لهذا من تأثير سلبي في إطار نبذ العنصرية.
2. التقليد والمحاكاة
من المعلوم تأثير التعليم بالقدوة في حياة الأطفال، لأنهم يلاحظون تصرفات الآباء في المواقف المختلفة ويعون أفعالهم السيئة.
حيث من الوهم الاعتقاد بعدم إدراكهم لما يجري في محيطهم، لأن كل فعل يصدر من الآباء هو بمثابة قاعدة تنغرس في نفوس أبنائهم.
إذن يجب عدم تبني الأبوين سلوكًا سلبيًا تجاه الآخرين، كما يجب التوقف تمامًا عن الحكم عليهم، أو انتهاج ممارسات قائمة على تحقير الآخرين والتقليل من شأنهم.
هناك أيضًا ضرورة إدراك أن الأطفال يرددون ما يسمعونه، ما يدفعهم إلى ترديد عبارات قد تحوي على إساءات للآخرين، وهذا يرسخ لديهم تجاهل المشاعر، ما يجعل الوعي بهذه النقطة أمرًا هامًا.
3. رفض التحالفات
التحالفات العرقية أو الإثنية، فضلًا عن التعالي لاعتبارات متعلقة باللون أو الشكل، من الأمور المناهضة لمكافحة العنصرية لدى الأطفال.
ويعزز الإلحاح على هذه الاعتبارات عند التربية، رسوخ العنصرية كقاعدة رئيسية لدى الطفل في التعامل مع الآخرين، ما يدفع إلى ضرورة مجابهة هذا النوع من التنشئة.
وهنا يكتسب تعريف الطفل بثقافات الشعوب المختلفة في إطار التنوع اللازم مع ضرورة تقبلها أمرًا هامًا، حيث تساعد هذه التفاعلات في تقليص مساحة التحيز لدى الفرد.
3. تعزيز قيمة الحب
ومن القيم التي يجب أن تستند عليها أي استراتيجية لمجابهة العنصرية لدى الأطفال، غرس المقدرة على حب الآخر رغم الاختلاف.
ويعتمد هذا على نبذ الكراهية، وفتح القلب للجميع رغم التباينات فيما بينهم، ولا مجال للشك على ضرورة النظر بعين المساواة لمن هو أقل اجتماعيًا أو من هو مختلف في اللون أو الدين.
إقرأ أيضًا
ما يجب فعله عند محادثتهم عن الاضطهاد والظلم
يختلف الحديث مع الأطفال عما يجري في العالم من اضطهادات وظلم وفق ممارسات عنصرية، فضلًا عن مساعدتهم على تجاوزها دون خوف، بحسب فئاتهم العمرية، بحيث نستطيع تقسيمهم إلى 3 فئات.
أقل من خمس سنوات
يُتاح للأم والأب هنا فرصة إرساء إدراك الطفل لوجود فروقات بين الناس، والتي يبدأ الأطفال في الإحساس بها، مع ضرورة استخدام لغة ملائمة لهذه السن المبكرة.
إن الإقرار بوجود الفروقات ضروري، مع الحاجة إلى عدم التنكر لها، بل من الجيد الاحتفاء بها وإبراز الجانب الإيجابي من وجودها، كذلك يجب الانفتاح على أسئلة الطفل وتشجيعه عليها، فعند حديثه عن حالة عنصرية، يكون من السيء جدًّا إسكاته بل يجب التعامل معه وفق ما يقتضيه الموقف.
قد يكون من الجيد أيضًا الحديث عن العنصرية باعتبارها سلوك شائن، ولماذا يجب علينا مناهضته.
من خمس إلى 10 سنوات
تتميز هذه الفئة العمرية بقدرة الأطفال عن توضيح ما يسألون عنه، فضلًا عن توقهم للإجابة، أيضًا قد يصلون إلى معلومات بعيدًا عن الوالدين، ولكن يعسر عليهم هضمها، فيجب إدراك هذا جيدًا والتعاطي معه.
طرح الأسئلة على الأطفال والاستماع إلى الإجابة يمثل خطوة معتبرة، مع إظهار الاهتمام بما يقرأونه أو المناقشات التي يجرونها عبر شبكة الإنترنت.
يلزم كذلك رفض الطرح الإعلامي للتحيزات العرقية أو رسم صورة نمطية عن فئة دون أخرى، يُشجع أيضًا الانفتاح على خوض نقاشات صريحة ومفتوحة حول الاضطهاد والممارسات العنصرية.
اكتساب ثقة الطفل هام في هذه الأثناء، لأن هذا سيجعله حريصًا على إطلاعك على ما يشغله دائمًا.
من 10 سنوات إلى أكبر
يتمكن الطفل في هذه المرحلة من القدرة على الفهم والاستيعاب بشكل أكبر، كذلك يستطيع التعبير عن وجهات نظره، وقد يمتلك معرفة أكبر مما ينبغي، أو يتوفر على مشاعر قوية.
وهنا تبرز أهمية استمرار الحوار، مع ضرورة تفهم مشاعر الطفل، وما الذي يعرفه عن الاضطهاد والعنصرية، كذلك ما الذي سمعه في وسائل الإعلام أو من الأصدقاء أو من شبكة الإنترنت.
من واجب كل من الأبوين تشجيعه على الانخراط في النشاط المجتمعي، وتمكينه من الإلمام بمنظورات أخرى لمساعدته في توسيع مداركه، مع ضرورة التنبه للتحيزات المختلفة أيضًا.
إنها مهمة صعبة بالفعل، تربية الأطفال في بيئة عالمية ومحلية أقل ما يقال عنها أنها تتصف بنسبة عالية من ‘السميّة’ بسبب العداء والعنصرية الموجهة لفئات دون أخرى أو تبادل التهم وردود الفعل العنيفة التي يقوم بها البالغون ومن هم في مراكز القرار والقيادة للأسف.
لذلك من واجب كل راع وراعية للصغار لعب دور قيادة إيجابي في حياة صغارهم وتعليمهم أخلاق تؤهلهم لمواجهة العالم الذي ينتظرهم بمرونة عالية وانفتاح على قبول الاختلاف.