عانت المرأة الكثير من الويلات عبر تاريخ البشرية من اضطهاد وتعذيب وتعنيف وإبعاد عن الصورة وتهميش وتغييب بكل أشكاله ومعانيه.
ويمكن أن نعتبر أن المرحلة الذهبية لاحترام وتقديس المرأة كانت في بداية الألف العاشر قبل الميلاد، وقد يتساءل البعض لماذا هذه الفترة في تاريخ الإنسانية وليس غيرها على الرغم من كون عصرنا يُعتبر بأنه عصر التحضر والتطور والإنسانية.
عشتار وبداية الزراعة
الإجابة على هذا السؤال للأسف تعود لسبب مادي بحت وهو إيمان الإنسان آنذاك الذي كان قد اكتشف الزراعة للتو “والشيء بالشيء يذكر أن الزراعة اكتشاف أنثوي” بأن عطاء الأرض وخصبها وجمالها يعود لقوة المرأة فقط ووجودها.
لذلك أصبحت المرأة عماد المنزل بكل أشكاله وأصبح الولد ينسب لأمه وازداد التقديس للإلهة الأم وأصبحت هي المركز والإله الذكر تابع لها.
عشتار هي الربة الأساسية وهي إلهة الحب والحرب والخصب والجمال والشخصيات الذكرية تتغير وتابعة لها، وهذه الميثولوجيا تعكس حقيقة اعتقاد المجتمع وتفكيره.
وفي كل ميثولوجيا الشعوب نجد هذا التقديس للأنثى، فعشتار وأفروديت وعشتروت وهيرا وإيزيس كلها أوجه لهذا التقديس.
وعندما تطورت معارف الإنسان وأصبحت أكثر تعقيدًا واكتشف المعادن وأصبحت هنالك الكثير من المهن التي تحتاج قوة جسدية “على الرغم من أن بعض الدراسات الأنثروبولوجية على بعض الشعوب البدائية المعاصرة تؤكد قدرة المرأة التي تقوم بأعمال صعبة واعتادت عليها تستطيع القيام بالأعمال الصعبة” عاد دور المرأة للتراجع وأصبح الرجل في الواجهة إلى يومنا هذا وكان هذا سبب من أسباب فقدان التوازن العالمي.
ولعل الميثولوجيا اليونانية هي التعبير الأمثل لهذا التحوّل من خلال قصة الإله الرئيس زيوس عندما قام بمحاولات ولادة عدة ومنها أنه قام بولادة الإلهة أثينا من رأسه كأنه يحاول سحب القوة من هيرا ليظهر ويكون القائد الجديد ويضاهيها حتى بالولادة.
انقلاب الأدوار لصالح كفة الذكر المُهيمن
لقد كانت بداية هذا الانقلاب بداية لمعاناة المرأة الطويلة والتي ما تزال إلى يومنا هذا تحاول استعادة مكانتها التي فقدتها قبل قرابة عشرة آلاف سنة وأصبحت المرأة تابعة لا قائدة.
قد يتساءل البعض لماذا نعود إلى هذه الأزمنة القديمة؟!
لأننا يجب أن نعود لجذر المشكلة ونفهم كيفية تفكير الإنسان ومراحل احتضاره.
نلتمس هنا أن المرأة عليها أن تأخذ دورها لا أن تطلبه، لأن الرجل عندما تولى القيادة انتزعه بكافة الطرق المتاحة وهذه ليست حرب حقيقة ولكنها شكل من أشكال نزاعات الحياة النفسية المريرة.
وقد ربط الكثيرون بين الاستقلال المادي للمرأة والاستقلال الحياتي حتى أن البعض ذهب لتشبيهها بالدولة التي تستقل ماديًا فإنها لا تتبع لأحد سياسيًا أو ثقافيًا.
وقد قرأت في أحد الكتب عن دراسة تقوم بتتبع نسب الطلاب ووجدت هذه الدراسة أن نسب الطلاق في المجتمعات التي تكون المرأة فيها مستقلة ماديًا تكون فيها نسبة الطلاق مرتفعة أكثر.
وهذا الأمر يرجع إلى أن المرأة لا تستطيع التفكير بشكل حر وأخذ القرار بشكل صحيح بسبب الأوضاع المادية والاقتصادية وخوفها من حياتها بعد الطلاق وعدم قدرتها على العيش بمفردها.
و أعطت هذه الدراسة نظرة أخرى إلى المجتمعات “المحافظة” التي تمنع المرأة من العمل تنخفض فيها نسبة الطلاق حتى أن المرأة لتتبع الرجل بكافة الأشكال حتى لا يتخلى عنها.
ثمن استقلال المرأة
قد يقول البعض هنا أن المرأة تكون غير مبالية أو مهتمة بالحياة الزوجية إن كانت مستقلة ماديًا.
لكن ذلك غير صحيح فالإنسان السوي هو الذي يفكر ويقرر بدون الرضوخ تحت الضغوط ونعني بذلك أن:
المرأة المستقلة ماديًا تستطيع التفكير بحياد تجاه زوجها وتقيّم علاقتهما العاطفية والنفسية والحياتية بدون الخوف من الوضع الاقتصادي والرضوخ الأبوي من العائلة والمجتمع.
وبرأيي الشخصي، هذا الكم الهائل من الشذوذات الفكرية والأخلاقية وما نراه من تحرّش هو بسبب عدم اختلال التوازن في قوتي المرأة والرجل، ووجود كل منهما في مكانه الطبيعي سيقضي على الكثير من هذه المشاكل المجتمعية الخطيرة التي باتت تأكل القاعدة الأخلاقية للمجتمعات كافة.
حقيقةً الربط بين الاستقلال المادي وحصول المرأة على حريتها واستقلالها المجتمعي ربما يكون أمر غير صائب.
ذلك لأن المجتمع اليوم رغم وصول المرأة لمراكز قيادية وفعّالة مهمة ورغم أن المرأة تلد وتربي وتعلم وتهذب من جهة وتقود وتعمل وتشارك من جهة إلا أن البعض لا يزال يرى عملها لا يصل إلى مرتبة وقوة عمل الرجل وفعاليته.
إقرأ أيضًا
ظهرت للعلن الكثير من الجمعيات التي تطالب بحقوق المرأة البديهية كحقها في العيش بكرامة.
لأن المرأة لا تزال تتعرض للعنف والاضطهاد، وهناك محاولات دولية عديدة لإيجاد تشريعات وقوانين تحميها وتُؤمّن لها التعليم الذي يساعدها على معرفة ذاتها وحقوقها وقدراتها وتحسين حاضرها وتقرير مستقبلها بكافة أشكاله.
إلا أننا نزال في بداية هذا الطريق الوعر لأن الحق يؤخذ ولا يعطى.
المراجع 1. فراس السواح. عشتار الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة. 2. فراس السواح. دين الإنسان. 3. بو علي ياسين. الثالوث المحرم “دراسات في الدين والجنس والصراع الطبقي“ |