صوت صراخ وشتائم، يخلّفه صمت طويل…
هكذا تُقتل الفتيات على أيدي عائلاتهن، في غرفهن، وأسرتهن، والذريعة: “غسل العار”!
يتكرر السيناريو نفسه في مختلف المجتمعات العربية والتي سأُطلق عليها مسمى آخر، مسمى يليق بتصرفات نتاجها؛ “مجتمع ذكوري”.
تظهر أمامي أخبار وصور لفتيات ذهبن ضحية جرائم الشرف بين ليلة وضحاها، اختفت ضحكاتهن، رُدمن في حفر لا يدلها أحد! في أواخر 2020 سمعنا عن مقتل الشقيقتين (زهراء وحوراء) في العراق على يد أخيهما، وبعد ذلك سمعنا عن خبر آخر مؤلم عن مقتل فتاة في الكويت بمحافظة الأحمدي على يدِ من قاسمته الطعام والشراب!
تأتي هذه الأحداث كأحد حلقات سلسلة قتل الفتيات والنساء في الدول العربية، وحين ننظر بتمعن عن سبب القتل، المجرم الأول كان تحت تأثير الخمر، والآخر كان تحت تأثير العادات التي لا تسمح للفتاة باختيار شريك حياتها!
ولكن ليخفف الحكم عنهما تم تلفيق الأمر كـجريمة شرف! فنحن مازلنا نعيش وسط مجتمعات تبرر العنف والجريمة للأسف!
أخبار عاجلة تتناول ضحايا جرائم الشرف، تُوقد نيران ردّات فعل متفاوتة، تدخلني في دوامة تستفزني و تقحمني في رعب لأني أعيش في مجتمع يتناول قضية قتل فتاة على يد إحدى أفراد عائلتها أمر عائلي خاص لا داعي للنقاش فيه، وما يزيد من رعبي هو أن هناك ضرورة ملحة لتبرير المجرم لأنه حارس الشرف!
تموت الفتيات في المجتمعات العربية بطرق قهرية بشعة، وتُضم لحكايا مثيلاتها دون أي رادع! لم ننس قضية الفتاة الفلسطينية إسراء غريب التي هزّت الوطن العربي بأكمله، فهي لم تمت بصمت، بل بصراخ أرعب الفتيات التي تخاف أن يأتي دورهن في مسلسل جرائم الشرف التي تدور أحداثه كمقصلة على رقاب الفتيات العربيات.
إن الجرائم المرتكبة ضد النساء باسم الشرف هي من أشد وأقسى أنواع العنف المُمنهج الذي يُمارس ضد المرأة في وضح النهار.
غسل العار فعل إجرامي شائع في البلاد العربية
جرائم الشرف هي عمل انتقامي بقصد القتل، يقترف من قبل عنصر ذكوري من الأسرة نفسها يقع على أنثى بذريعة إلحاق العار بسمعة العائلة.
جرائم الشرف هي فعل شائع في مجتمعاتنا، على الرغم من قيام الدول العربية بالتوقيع على اتفاقية سيداو التي تنص على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، إلا أن القوانين في هذه الدول تُعاني من عطب في تطبيقها، فقد قامت بالتحفظ على اتفاقية سيداو في أهم المواد التي تتناولها الاتفاقية خاصة المادة 2 التي تنص على “إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزًا ضد المرأة”، ومع ذلك إن بعض القوانين ببعض الدول العربية لا تزال تجد مبرّرات تخفيفية للرجال الذين يرتكبون جرائم الشرف، دون أن تعطي نفس الأسباب التخفيفية للمرأة إذا ارتكبت جريمة مماثلة، كما أن بعض الحكومات لم تدمج مواد الاتفاقية في قوانينها الوطنية، فالقوانين لا تكفل حقوق النساء في المنطقة العربية.
حوالي 5000 امرأة تقتل سنويًا على خلفية جرائم الشرف في العديد من البلدان العربية مثل الأردن، المغرب، العراق، اليمن ومصر، ورغم أيه تعديلات أُدخلت على بعض القوانين إلا أن هذا النوع من الجرائم ما يزال يُستخدم كتصفية لحسابات عائلية.
ويجعلني هذا أستحضر قول الكاتب حسين البرغوثي: “العائلة سحر أسود”، فبدلاً من أن يكون البيت مكانًا آمنًا للعيش فيه، يُصبح مسرحًا للجريمة، حيث تُساق النساء كأضحية لما يُسمى – غسل العار- وتُذبح بسكين مثلوم على يد من كانت تُعد لهم الطعام دون الحاجة لتقديم المبررات.
جرائم الشرف هي نتاج عادات وتقاليد تصنع المجرمين
إن أسوأ مظاهر العنف في المجتمعات العربية تتمثل في قتل النساء بدافع الشرف، إذ تتعرض العديد من الفتيات سنويًا للقتل الفعلي، حيث يربط مفهوم الشرف بالنساء ومدى التزامهن بالعادات والتقاليد والإرث الثقافي، وأن أي خروج عن تلك القواعد يمنح الرجل حق التأديب حتى لو وصلت الأمور إلى القتل المتعمد عن سبق إصرار وترصد، حيث أنها تأتي كنتاج للموروث الثقافي و القبلية المُهيمنة على المجتمع الذي يفرض على المرأة الانصياع لمنظومة من السلوكيات التي يفرضها الذكر المتسلط أو الفكر الذكوري المهيمن حتى على عقول الأمهات.
فالمطلوب هو عدم الخروج عن الأعراف حفاظًا على ما يعرف بشرف العائلة، ومازالت القوانين في بعض الدول العربية غير منصفة بتاتًا للضحايا من خلال العقوبات المخففة التي تكون صادمة أحيانًا مقارنة بفضاعة العمل الإجرامي، وعلى الرغم من أن بعض الدول مثل الأردن، فلسطين والامارات مؤخراً قاموا بإلغاء هذا القانون، إلا أن هناك بنود يتّم استغلالها للتهرب من جريمة قتل النساء، مثل مادة القتل في حالة غضب، مما يمكّن المجرمين من الحصول على عقوبة مخففة.
شيوع البطريركية يعزز توارث العادات والتقاليد التي تصنع من المرأة موروث يجب أن يُحنط ويحافظ عليه كأنها غير مسؤولة عن نفسها وعائلتها وصية عليها، فالنظام الأبوي هو نظام يُنشئ الأسرة على أن كل الشؤون الحياتية تعود إلى الذكر.
إن أغلب حالات القتل بمرجعية الشرف التي تُحوّل إلى الطب الشرعي لا تكون لها علاقة مباشرة بعذرية الفتاة أو أي ثبوث لممارستها الجنس خارج الإطار الشرعي أصلًا، فقد تتم تصفية الفتاة لأسباب متنوعة، فقد يقتل الأب ابنته للعديد من الأسباب اللامنطقية مثل اختيارها شريك حياتها، أو التواجد في علاقة، كذلك طلب الطلاق وجرائم على خلفية الميراث والسفاح وتلفيقها للشرف، لأنه الأمر الوحيد الذي قد يتساهل معه القانون بتقديم عقوبات قد تُخفّف لاحقًا.
فقد أثبتت دراسة لجامعة “كامبريدج” الألمانية أن 35% من المراهقين الأردنيين يعتبرون أن جرائم قتل النساء بدافع الشرف هي أفعال مُبرّرة، ولكن الحقيقة الأقبح هن هي أن جرائم الشرف هي نتاج صريح للتنشئة الذكورية النابعة من عادات موروثة تضع القيود على أعناق النساء.
مفاهيم مغلوطة عن الشرف متوارثة منذ أجيال
كثيرًا ما كانت تراودني أسئلة مثل: ‘من الذي حصر مفهوم الشرف في جسد المرأة؟’ أو ‘لماذا لا يكون الشرف أيضًا مرتبطًا بالممارسة الجنسية عند الذكور؟’
إن الشرف الحقيقي لا يتحدّد في الذكر أو الأنثى وبالتأكيد لا يرتبط بعلاقات هذه الأخيرة أو حريتها كإنسانة، الشرف يشمل الأخلاق الإنسانية بغض النظر عن الجنس، ذكرًا كان أم أنثى، وأذكر هنا تعريف د. فيصل الزعنون الشرف على أنه قيمة عظمى تشمل في طياتها جميع الأخلاق النبيلة، وبالتالي لا يجوز إطلاقًا حصر هذا المفهوم بأضيق معانيه، كربط الشرف بالسلوك غير السوي مثلًا وخاصة السلوك الجنسي.
تُقر الدكتورة نوال السعداوي بضرورة فك الارتباط بين الجريمة والشرف وكأن هناك جريمة مُشرّفة وجريمة غير مُشرّفة!
مفهوم جرائم الشرف المرتبط بالنساء وأجسادهن مفهوم متوارث من أجيال سابقة لم تترّب على علاقة الشرف بالأخلاق والقيمة الوجودية للإنسان سواء ذكر أو أنثى. هذا ما سيجعلنا نحتاج لموجة تحرير لعقولنا من توارث أفكار مغلوطة تضرنا نحن النساء جيلاً بعد جيل، وتجعلنا وكأننا أشباه إنسان، نموت كل يوم وتحيا العادات.
جرائم الشرف على عين القانون وإحصائيات مستحيلة
تمضي المرأة حياتها بين فكّي الذكورية السامة والقانون، حيث تقع الجريمة تلو الأخرى بحق النساء في المجتمعات العربية وتمر الأحداث دون رادع! وكثيرة هي الأسباب التي تكمن وراء انتشار جرائم الشرف دون وجود إجراءات رادعة لها، ونكتفي هنا بالإشارة إلى تلك التي تؤدي لها بطريقة واضحة ومُباشرة.
1. تغيب القوانين والتشريعات الرادعة بحق كل مرتكبي جرائم الشرف، حيث أن المجرم يعتمد على فكرة تقزيم العقوبة القانونية مقابل قضية شرفه بمفهومها المغلوط الذي اكتسبها من النظام الأبوي والهيمنة الذكورية السائدة.
2. عدم إصدار بعض المحاكم أحكامًا رادعة لمرتكبي جرائم الشرف، والذي يُعد بحد ذاته عنفًا قانونيًا في حق النساء، فكثيرًا ما يتردد في أرجاء المحكمة: “قتلٌ بدافع الشرف” ويتم خفض العقوبة من 3 إلى 5 أعوام وقد يخرج بعد ذلك الجاني بعفو تام!
3. معظم المجتمعات العربية تعيش في مستنقعات من العادات والتقاليد البالية وهي بذلك مجتمعات مضللة عاطفيًا ودينيًا وقانونها هو عاداتها والموروثات.
4. رغم أنه من المخجل أن نذكره إلّا أن التشريعات والسياسات الحالية لا تتصـدَّى للعنـف ضـد المـرأة علـى نحـو فعّـال.
إن حوادث جرائم الشرف هي حوادث غالبًا ما تظل طيّ الكتمان، فهي حالات عنف لا تنتقل من فضاء الأسرة إلى الفضاء المجتمعي كونها شأنًا عائليًا لا يجوز الخوض فيه خارج إطار الأسرة، وبهذا لن نجد إحصائيات شاملة واضحة لما تتعرض له النساء في كافة الدول العربية، فكل ما يتوفر من أرقام لا يتعدى حدود الإحصائيات المُعلن عنها، نحن في مجتمعات تتستّر على الجرائم التي تُرتكب بحق الفتيات والنساء وتُظلل بالشرف.
إقرأ أيضًا
لماذا تنشهر الضحية أكثر من الجلاد؟
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ. لم يترك الخالق أمرًا من شؤون الدنيا إلا وذكره في كتابه العظيم، حيث عظّم أمر الزنا وأقرّ شروط تعجيزية لإثباته، فأيّ يقين هذا الذي يهتدي به الجُناة لارتكاب جرائم بمجرد شكٍّ وبأيّ حق يُعطون لأنفسهم حق الحكم والعقاب!
حين تقع جريمة قتل فتاة على خلفية شرف تكون الجريمة محط نقاش، وإصدار تبريرات مجتمعية، وتمضي الفتاة حياتها وموتها بين خذلان القانون وجرائم ترتكب باسم العرف، لا نخجل من تناقل صور الضحية ويبقى تساؤل مرير يتردد في ذاكرتي “لماذا تنشهر الضحية أكثر من الجلاد؟”، لماذا لا نفضح المجرم ونشير له بأنه مجرم وقاتل ويستحق أقسى عقوبة؟ لماذا لا نُشهّر بالجلاد؟ ونترك التعاطف الفارغ من أي فعل؟
لأننا في مجتمعات كلامها أكثر من أفعالها، ولأن بعض رؤوس أفراد المجتمع تبرّر أفعال الجاني بعبارات مثل: ‘قتلها ليغسل عاره، جلبت له الفضيحة!’ أو حتى ذلك التساؤل الذي يبدو بريئًا؛ ‘ماذا فعلت لكي يقتلها؟’ وكأن القتل مشروع تمامًا في بعض الحالات، وهذا ما يمكن أن ننتظره من عقليات تبرّر العنف بشتّى أشكاله. إن المجتمع الذي يبرر جرائم الشرف، مجتمع لا رجاء من صلاحه إلا لو تراجع عن تبنيه فكرة الجاهلية.
للأسف لا يمكن الاعتماد على الوعي المجتمعي لكي يتطوّر حتى يتوقف نزيف جرائم الشرف الذي لا ينتهي في البلاد العربية، لابدّ من تغيير القوانين ووضع تشريعات صارمة في هذا الشأن، بدءً من إلغاء البنود القانونية التي تخفّف عن المجرم حكمه، وسن قوانين حقيقية قابلة للتطبيق الفعلي السهل على أرض الواقع تحمي المرأة من أي عنف يوجه لها، إضافة إلى الاستمرار في نشر الوعي وتسليط الضوء على قضايا كهاته.
هي طريق وعِرة ومشوار طويل يجب أن نتوقّف فيه عن شق الضحكات ونزف الدماء، أن نكُفّ عن وأد الإناث في عصور تدّعي الحضارة والتمدّن.
ماشاءالله كلام واقعي ومؤثر جداا🖤🖤بالتوفيق يا رب
نحن نعيش للأسف عزيزتي في مجتمعات تحكمها العادات والتقاليد اكثر من الشريعة والقانون مجتمعات تطمس هوية المرأة كانسانة لها مشاعر لها كيان بحد ذاتها فكر ولكن للأسف تعتبر جسد لتفريغ غرائز ذكورية لتفريغ ثقافة ان المرأة تابع وليس لها الحق في ان تنظر للأعلى وهذا ما نأسسه فالمجتمعات العربية منذ الصغر عندما تقوم الطفلة باحضار كأس الماء لأخيها وعلى هذا القياس الكثير يجب على المجتمع ان يرتقي في تربيته للاناث على ان تكون او لاتكون ان نصنع من اطفالنا ذكورا كانو او اناث الاستقلالية التفكير في ان العائلة هي السند والحامي ان العائلة خط الدفاع الأول عن مخاوفنا انا اسفة جدا على الأطالة موضوع جميل واثمن على جهودك رائعة عزيزتي