يُحتفى بالمرأة في أنحاء العالم سنويًا في الثامن من مارس/آذار، اعترافًا بإنجازاتها في مختلف المجالات الاقتصادية، السياسية والثقافية…! وتذكرًا لأحوالها العامة داخل المجتمعات وممارستها لحقوقها، وغالبًا ما نقع في كليشيهات مقارنتها بالرجل أثناء ذلك، و لكن في كل مرة نجد أن هذه الكليشيهات مازالت حقائق واقعية في بلادنا العربية التي مازالت تؤمن أن العظمة يحققها الرجل حين تكون المرأة خلفه!
رغم أنها أفكار مُبتذلة ومتكررة في كل مكان، إنها جديرة بالتذكير حتى يَحل علينا عام نحتفل فيه باليوم العالمي للمرأة و نكون قد تجاوزنا بجدارة واستحقاق قولبتها دائمًا في صندوق المقارنات مع الرجل!
يوم واحد في السنة لا يكفي
قبل أن نودع هذا الشهر، وننسى معه الأحاديث الكثيرة عن نجاحات المرأة العربية وأنها استطاعت أن تخلق التميز والاستثناء، أنها عماد المجتمع ومرتكزه، ونضرب المثل بالمرأة الفنانة الناجحة، و صاحبة المشاريع النافذة والدكتورة والمهندسة والإعلامية والأديبة…وتزداد الحماسة والتهليل لها في عيد الأم بعد ذلك وقد تحظى بهدية وبضع كلمات مُنمقة، ولكن… هل هذا يكفي؟
هل هذا فقط ما سنقدمه لها، هل يوم واحد في السنة هو ما تحتاجه حقًا المرأة العربية؟!!
الكثيرات لم يحظين بفرصة غادة السمان أو أحلام مستغانمي ليبدعن في التعبير عن أنفسهن من خلال الكتابة الأدبية، والكثيرات أيضًا خانتهن جرأتهن وخوفهن من خوض غمار النضال في سبيل الحرية والمساوة والدفاع عن حقوق أخواتهن مثل فاطمة المرنيسي أو نوال السعداوي، ملايين من نساء الأمة العربية ابتلعن أحلامهن، ودفنَّ أصواتهن للمضي في دروب الحياة بسلام ولم يجدن أي سلام!
لهذه الأسباب نحتاج لأيام عالمية!
مما يبدو أن لا الحركات النسائية الحقوقية ولا الجمعيات والمحافل للنهضة بالمرأة ولا تلك المحاولات اليائسة لإدماجها في المجتمع وكأنها خارجة عنه…للأسف حتى ربيعنا العربي لم ُيغيّر الشيء الكثير في واقع وحال المرأة في بلادنا العربية، وسوف نحتاج حقًا لتخصيص أيام عالمية كل سنة ومهما بدا ذلك سخيفًا، فنحن النساء العربيات كثيرة هي همومنا، عميقة قضايانا ومؤلمة قصصنا، ولهاته الأسباب نُطالب بأكثر من يوم في السنة لنتذكر ونتكلم ربما تُسمع أصواتنا.
المرأة ضحية العنف
نعم مرة أخرى يتوجب أن نتحدث عن العنف الجسدي الموجه نحو المرأة، فهي أكثر تعرضًا في مُجتمعاتنا له من طرف الأب، الأخ، الأم أحيانًا بدافع التربية والخوف، ومن طرف الزوج الغاضب والشرقي التفكير مع أن ذلك ليس له علاقة بشرقيته بل باضطرابه النفسي وعقدة الاستعلاء أو النقص لديه، وفي غالب الأحيان يكون ذلك بسبب الصورة الدينية المشوشة عن جواز ضرب الزوجة، وهذا غطاء يتخذه الكثيرون للتفنن والتلذذ بممارسة ذكوريتهم وليس رجولتهم والفرق شاسع.
إضافة إلى أنواع العنف الأخرى التي لا تقل خطورة عن ما سبق ذكره، فإن نجت المرأة والفتاة العربية من الأول تجدها تقع ضحية التحرشات في الشارع،المقهى، الجامعة، وسائل المواصلات، أو تكون محط استغلال مستمر من رب عمل، صديق، زوج أو قريب… والإساءة هنا تتجسد في صور مُختلفة، عنف واستغلال عاطفي، مادي اقتصادي…بوعي أو بدون وعي منها فهي تساهم بصمتها وانعدام ثقتها بنفسها بأن تتجرد من أنوثة مُهينة وتنتصر لإنسانيتها مهما كلّف الأمر.
المرأة، الجسد والجنس
لا تُثير استغرابي كتابات العديد من الأديبات عن الجسد، الشهوة والجنس … هناك كبح مُقلق للغاية لمشاعر المرأة وتنكر لأحاسيسها الحقيقية تجاه هذه المواضيع التي مازالت تُعد من الطابوهات في مناطق عربية كثيرة، وحتى تلك الجرأة التي تتحلى بها الكاتبات العربيات المُعاصرات مثل كوليت خوري، نوال السعداوي، الجزائرية فضيلة الفاروق وغيرهن في كتاباتهن تكون موضوع تشكيك، اتهام ومُحاسبة قاسية جدًا.
ورغم أن أدباء عرب تخطوا الخطوط الحمراء أيضًا مثل نزار قباني ونجيب محفوظ، عدا عن أن التراث العربي مليء بالحكايات وقصائد الشعر وأدب المجون، تُهاجم المرأة، تسجن وتُكفر وتُتهم بالتمرد والانحلال الأخلاقي حين تجد لنفسها مساحة للتعبير في أكثر جوانبها الإنسانية حساسية والتي غالبًا ما تكون مُجرد أداة فيها، تقول الروائية السعودية سهام مرضي:
من أراد ان ينزع الجنس من جسد الرواية فعليه أن يبحث عن مكتبة في كوكب آخر
الغرض هنا ليس الدفاع عن أحقيّة التحدث عن الجنس ومُخالفة المورثات الثقافية وما إلى ذلك … بل الهدف هو الإشارة إلى أن المرأة تعيش علاقة مُضطربة مع جسدها وصورتها عن أنوثتها، العديد من الفتيات العربيات مازلن يتعرضن لأبشع المُعاملات الجسدية والنفسية الفكرية؛ الختان، الاغتصاب، زواج القاصرات، تجارب لا إنسانية ترسخ فيهن فكرة كارثية واحدة – أنهن خلقن من أجل الآخر…لخدمته وإمتاعه، فيصبحن نساء بلا أمل وضحايا عقلية وهنة و مدمرة ؛ “أنا ضحية ظروفي”.
المرأة العربية العاملة
تدرس باجتهاد وتحلم بوظيفة توفر لها كرامة العيش وأماني أخرى…هذه هي الفتاة العربية التي تكبر لتحقق أحلامها وفي بعض الأحيان تتخلى عنها لتحقق أحلام أسرة بأكملها، ومهما كان العبء ثقيلاً فإنها تتحمله بشجاعة لأنها هي المرأة الخارقة، لن تتعب يومًا من الأدوار التي أسندتها لها الحياة الصعبة!
فهي الموظفة المُطالبة بإتقان عملها لأنها طالبت بالمساوة وعليها أن تكون على قدر التحدي، الأم الخائفة على فلذات كبدها حين تتركهم تحت رحمة و عطف مُربية، الزوجة التي تفعل قصارى جهدها لتكون حاضرة، أنيقة وجميلة في عيني زوجها ولا تنسى في ذلك ملء بطنه وهو الذي قد يجد عذره لخيانتها أو تركها!
وهي الابنة البارة بوالديها أيضا، ففي خضم انشغالاتها اليومية تجدها تتحيّن فرصة زيارة الأقارب والأصدقاء للقيام بالواجب.
في يومها العالمي، إقرأ أيضًا:
- المرأة في رمضان تكافح بين العمل والأعباء المنزلية
- التمييز الجنسي ضد المرأة العربية
- الاغتصاب الزوجي جريمة مباحة في مجتمع جاهل
المرأة العربية العاملة تعيش ازدواجية صارخة في الأدوار، تناديها أنوثتها وإنسانيتها عبر كل الاتجاهات، تريد دائمًا أن تخلق التوازن و تُرضي جميع الأطراف فتنسى نفسها وتتنكر لذاتها الحقيقية مُبررة ذلك بالإيثار والتضحية.
المرأة العربية قوية جدًا، ففي الحرب والثورة تجدها بعزم عشرة رجال، ترفض الاستسلام وتناهض الذل، ولكنها في مقابل ذلك تعيش وتموت ألف مرة حين يُحجب صوتها، ويُحتقر تفكيرها وتُستصغر آراؤها في العمل، العلاقات الاجتماعية وحتى في حياتها الشخصية.
هي أسيرة المورثات الثقافية والتقاليد البالية، المرأة العربية لا تحتاج إلى تعلم لغات أجنبية ومقعد في البرلمان فقط أو لمساوة في الحقوق مع الرجل… هي تحتاج إلى حقوق أكثر… حقوق تُناسب احتياجاتها وتحترم ضعفها وقوتها، تحتاج إلى ثورة نفسية فكرية ضد نفسها ومُحيطها المضطرب.
فما جدوى ثقافتها إذا كانت ستبقى حبيسة حواراتها الداخلية ومذكرات خواطرها؟ ما الفائدة من تعليمها إذا لم تتعلم كيف تدافع عن حقها في التفكير والاختيار الحر!