حياة

ما هي شروط العلاقة العاطفية الصحية؟

ما هي شروط العلاقة العاطفية الصحية؟
شارك الموضوع

العلاقة العاطفية الصحية تتوجب الحب الذي هو اكسير الحياة. وهو الوقود الحي لأي علاقة عاطفية بين اثنين. ولكن هناك الكثير من العوامل التي يجب على الفرد القيام بها حتى لا ينضب هذا الوقود. وتستمر تلك العلاقة العاطفية بشكل متوازن وصحي مدى الحياة.

العلاقة العاطفية الصحية تبدأ بالجدية والسعي

يجلسان مع بعضهما البعض، وينظر هو في هاتفه المحمول، بينما تجلس هي بجانبه وعلى وجهها علامات من البؤس الشاق .. يتطلع إليها.

وهنا في هذه اللحظة عليه أن يقرر بين اختيارين :

الأول: يتظاهر بأنه لم يلاحظ شيئًا ويعود لمطالعة هاتفه المحمول في سلام. فهي ليست مشكلته. لأن به ما يكفيه من المتاعب والهموم، وليست لديه أي رغبة للاستماع لأحزان آخرين. يريد فقط أن ينفصل عن العالم الواقعي بعالمه الافتراضي على المحمول.

الثاني: يقول لحبيبته : ما بك؟ لماذا تبدين حزينة؟ يقرر أن يستمع لها رغم همومه واحتياجه للهدوء، ويتنازل ليخفف عنها.

الاختيار هنا هو الذي يحدد نوع العلاقة العاطفية بين هذين الاثنين، علاقة صحية مُرضية للطرفين، أم مريضة تضيف للنفس كبت وضيق بجانب هموم الحياة.

فالأهم في العلاقة ليس هو اختيار الشريك المناسب مع أن هذا شيء مهم، ولكن الأهم هو السعي الدائم والجهاد من أجل إنجاح تلك العلاقة وتصحيح الصورة مهما تشوهت.

أبجديات العلاقة العاطفية المتوازنة

كل منا يتمنى الحصول على علاقة عاطفية مفيدة له ولشريكه، متكافئة ناجحة، تضفي على القلب بلسم يرطب من الأوجاع، علاقة تنشر البهجة بين ربوع القلب، أي علاقة مهما كانت طبيعتها تتطلب أرضية صلبة بأساسيات معينة كما تحتاج عمل واجتهاد خاص من الطرفين وهذا الشرط الأخير ينطبق على العلاقة العاطفية الصحية أكثر من أي علاقة أخرى وهذه بعض من تلك الأساسيات.

علاقة خالية من الأذى

لا تبنى أي علاقة بين  اثنين إذا كانت قائمة على الأذى سواء المادي أو المعنوي أو الجنسي أو اللفظي أو العاطفي … إلخ لأي طرف، فوجود الأذى في العلاقة يهدمها من بدايتها.

الندية

ليست الندية هنا الضدية، ولكن تعني التكافؤ بين الطرفين فلا يكون هناك طرف أعلى من الآخر بحيث يفرض سلطته عليه ويتحكم به بشكل غير مرضي.

الحدود الواضحة

يجب أن تحتوي العلاقة العاطفية الصحية على حدود بين الطرفين، من حيث الحرية الشخصية لكل منهما وعدم تسلط أحدهما على الآخر بحجة القوة أو المصلحة أو حتى الحب، إلى جانب وجود مساحة من الرأي والمشاركة للتعبير عن ما هو هو مرفوض ومقبول في العلاقة، حتى في عدم قبول أحد الطرفين فإنه مضطر للتفهم والتقبل دون محاولة للسيطرة.

الحوار

هناك الكثير من العلاقات التي تنتهي بالفشل، تلك التي تعتمد على التخمين والتوقع لما يريده ويصلح للآخر، ولكن العلاقة الناجحة هي التي تتأسس على الحوار والمصارحة والمشاركة في كل شيء، يعرف الشخص شريكه وكأنه يرى انعكاسه في مرآه، وبالتالي هي تتميز بالوضوح، وتخلو من أي أفكار سلبية.

فيما يوضح لنا د.نورمان رايت في كتابه “اكتشفي أفضل ما في زوجك” بعض الخطوات الإضافية التي تقودك نحو نجاح العلاقة، ولكننا هنا نسردها كتذكيرلكلا الطرفين:

الاهتمام

الاهتمام هو غذاء أي علاقة، وبدونها تذبل العاطفة إلى أن تموت، والاهتمام هنا يعني التفكير في الشخص الآخر، والتركيز عليه بالإصغاء له بعينيك وأذنيك فضلا عن إظهار الاهتمام، والانشغال به ومساندته، بمعنى الدخول في عالم الآخر عن طواعية و حب.

التقدير والمديح

كل إنسان في الحياة في حاجة حقيقية لكلمة تقدير، وماذا لو كان التقدير حقيقيا نابعًا من القلب !! سيجعل من العلاقة العاطفية شيئًا مفيدًا ومطورا للشخصية، كل ما عليك سوى أن تتذكر كم الأشياء المفيدة والنافعة التي يقوم بها الطرف اللآخر وتعددها، وتقوم بمدحه عليها كلما سنحت الفرصة، عليك أن تبحث عن الإيجابيات بشكل دائم، فالعلاقة العاطفية الناجحة هي التي يكون فيها الكلام الإيجابي 5 أضعاف الكلام السلبي.

المساندة

هي الاحتياج الحقيقي لتحقيق الحميمية في العلاقة بين شخصين، فعليك أن تكتشف ما هو نوع المساندة التي يحتاجها شريكك، وكما يقول د. نورمان أنها تعني أن تقدم لشريكك حضنًا وليس حلا، أن تؤجل العشاء حتى يستطيع الشريك الاسترخاء نصف ساعة، التأمل في ردوده والاستيضاح منها بدلا من أقول أنا مجهدة ولا أستطيع التحدث.

الأمان

يشمل الأمان الثقة. بمعنى أنك تستطيع الاعتماد على شريكك الذي تثق به، تستطيع الاعتماد على كلمة هذا الشخص، وبمعنى آخر تكون كلمته سيف، تعتمد عليه في مساندتك وقت المحنة، تعتمد عليه في غيابك قبل وجودك، تثق أن هذا الشخص يفعل أفضل شيء بالنسبة لك.

التوقف عن الغيرة القاتلة

يقول د. روبرت لياهي في كتابه ” علاج الغيرة” أن الغيرة تنشأ من انعدام الشعور بالأمن في العلاقة العاطفية، حيث تكون هناك توقعات غير واضحة وتجارب سابقة عن تخلي الشريك، منوهًا إلى ضرورة التغلب على هذا الشعور الذي هو في معظمه شعور طبيعي وعاطفي ولا يوجد به خطأ، ولكن يجب التوقف عن بعض الممارسات التي قد تهدم العلاقة مثل سلوكيات التحكم والاستمرار بطرح الاسئلة، بالإضافة الى ضرورة التحدث مع الشريك بما تشعر به ووضع قواعد تسيير العلاقة حيث أن الشعور المتكرر والمتزايد بالغيرة حسب رأيه يعني أن تلك العلاقة غير مجدية ويجب إنهاؤها.

العلاقة العاطفية الصحية وتحدياتها عند جيل الألفية

قد يظن البعض أن العصر الحالي هو البيئة الخصبة التي تنمو في رحبها أي علاقة ناجحة دون عناء، على عكس الماضي التي كانت فيه بناء علاقة عاطفية في الأساس شيء مرهق، ولكن في الحقيقة فإن جيل الألفية العربي يجد أمامه الكثير من المعوقات التي تحول دون الحصول على علاقة عاطفية صحية ومُضيئة بشكل آمن وسريع.

 يأتي هذا في ظل سيطرة العالم الافتراضي الذي جعل من الاحتيال العاطفي والمواعدة لأكثر من شخص دون وجود جدية في العلاقة سهل للغاية، هذا إلى جانب ضغوطات الحياة التي شغلت معظم الوقت للحصول على الاحتياجات اليومية والتكيف مع أعباء الحياة والديون المالية والقلق حول مدى كفاية المنصب الذين يحصلون عليه لتلبية احتياجات الاسرة، وبسبب كثرة المتطلبات لا تجد وقتًا قليلا لشريكك فتهمله مضطرًا، كل هذا جعل هناك حالة من الإحباط في دخول علاقة رومانسية جدية، فيقول جان توينجي ، أستاذ علم النفس في جامعة ولاية سان دييغو في كلامه عن شباب اليوم.

” يقضون وقتًا أقل مع بعضهم البعض وجهًا لوجه، الأمر الذي قد يكون مرتبطًا بالسبب الذي يجعلهم أقل عرضة لممارسة الجنس مع بعضهم البعض.”

جيل أحدث بعدد علاقات أقل 

نظن جميعًا أن الجيل الحالي هو الأكثر قدرة على إقامة علاقة عاطفية متوازنة في ظل الانفتاح الكبير والحرية التي نعيشها، ولكن الواقع أثبت أنه الأقل مما سبقه في عدد العلاقات العاطفية التي يقيمها.

حيث أجرت شركة يوروكلينيكس للرعاية النفسية في بريطانيا استطلاع رأي يهدف إلى تحديد متوسط عدد العشاق لكل فئة عمرية، والذي أكد ما سبق، حيث وضحت الدراسة أن جيل الألفية الذين تتراوح أعمارهم الآن ما بين 23 و39 عامًا حصل على متوسط 11.6 شريكًا في حياتهم، في حين أن الجيل الأقدم الذين كانت تتراوح أعمارهم بين 38 و53 عاما دخلوا في علاقات عاطفية أكثر والتي بلغت في متوسطها 13.1.

فيما جاء معدل العلاقات العاطفية للجيل الأحدث في عمر العشرينيات الآن 5.6، وهذا يدل على قلة الرغبة لدى الجيل الأصغر في الدخول في علاقات عاطفية على عكس الأجيال الأقدم سنًا.

الحب أصبح من الماضي

يعتبر الحب في نظر الكثير من جيل الألفية الحالي هو المعطل بل والمعوق للصحة العقلية والعاطفية حسب رأي الكثيرين ممن يشجعون على الاستقلال بالنفس وحب الذات أكثر من الآخرين. وهذا يتعلق بشكل كبير ب ” ظلم الحرية” كما وصفه الكاتب تي تاشيرو الذي وضح أن جيل الالفية الحالي يعاني من هذا الظلم بسبب كثرة الاختيارات التي أمامه. ما يجعله يواجه صعوبة في الاختيار فيما بينها، حيث يشير تاشيرو إلى أن حوالي 67% من شباب هذا الجيل قد شاهدوا انفصال والديهم. وبالتالي، فإنهم لا يربطون الحب بالرومانسية بل يربطونه بألم الانفصال ومنطق الاستثمار في علاقات لن تستمر بالضرورة.

هذا إلى جانب وجود الكثير من قصص الاستغلال تحت مسمى الحب. وتفكير الشباب الحالي الذي أصبح منطقيًا أكثر منه رومانسيًا، ووقت الشاشة الذي أصبح يسيطر على معظم الحياة مما جعل هناك مزيد من التشبع الرقمي لدى هذا الجيل. وهذا سبب تأخر سن الزواج ،حيث كان متوسط ​​عمر الزواج يقترب من 30 (29.8 للرجال و 27.8 للنساء). هذا أكثر من خمس سنوات تأخير في الزواج مقارنة بعام 1980، عندما كان متوسط ​​العمر 24.7 للرجال و 22 للنساء.

وبالتالي، فإن الجيل الحالي قد يفضل العلاقات العابرة التي لا تفرض أي التزامات على الطرفين. خاصة أنهم يخافون تشوه العلاقات العاطفية التي قد يدخلونها. ما يجعلهم ينصرفون أو يترددون في خوض التجربة من الأساس. وهذا أدى بالتالي إلى بروز حالة من الركود العاطفي لدى هذا الجيل والبعد عن الحميمية. وتُرجع عالمة الانثروبولوجيا هيلين فيشر ذلك بشكل جزئي إلى الذكاء الرقمي الذي يتمتع به جيل الألفية، والتغيرات الكبيرة في التفاعل مع العمل والحياة عن ما سبقه من أجيال.

شارك الموضوع
دينا الألفي

صحفية وكاتبة محتوى حر، مهتمة بالقراءة في جميع المجالات، ولكني أهتم بالأدب بشكل خاص، عملت بالكتابة لأكثر من ست سنوات، اغتنيت بأرشيف متنوع.