ستعترض طريقكِ مواقف صعبة، لكن عليكِ أن تقرري وحدكِ ما الذي يجب أن تفعليه، إلقاء اللوم على الآخرين واستخدامهم كذريعة لمشكلاتكِ لن يؤدّي إلا إلى إبقائكِ عالقة، إذا كنت تريدين أن تكوني ناجحة، عليكِ أن تجدي طريقة للمُضيّ قدمًا دون الالتفات!
بهذه الكلمات القوية وجّهت أوبرا وينفري، أشهر نجوم برامج التليفزيون الأمريكي، نصيحتها للنساء اللاتي يواجهن عراقيل كبرى في طريق نجاحهن.
وقد كانت وينفري، ولا تزال، تشجّع أي امرأة على تحدي الصعاب وفرض إرادتها رغم أي عوائق موجودة.
وإذا تصوّرنا حجم الصعوبات التي تزدحم بها بيئات العمل في المنطقة العربية تجاه النساء، كان لزامًا الوقوف احترامًا وإجلالًا للنسوة اللاتي يستطعن تحقيق النجاح في شركات ناشئة، وقيادة هذه الشركات نحو العالمية!
ريادة المرأة ضرورة وليست رفاهية
يميل الكثير من الرجال في الوطن العربي إلى تذكر صور نساء يرتدين البرقع ويبتعدن عن الزحام ويقتصرن على بيوتهن ورعاية أطفالهن.
نعم هذه هي الصورة الذهنية للمرأة في كثير من المجتمعات العربية!
ومع ذلك فإن الواقع الآن قد اختلف بشكل مدهش! لقد تطورت المرأة العربية بشكل سريع وحوّلت هذه الصورة الذهنية إلى صورة أخرى مشرقة تتضمن غرف اجتماعات وشركات ناشئة ومعارض تجارية وعلامات تجارية قوية!
باتت الريادة النسائية الآن، في عصر التكنولوجيا الرقمية والتطور التقني، ضرورة لا رفاهية، وأصبحت المرأة الآن جزءًا أصيلًا من مؤتمرات كبريات الشركات العربية والعالمية.
وقد برزت نساء عربيات كثيرات في المنطقة العربية وأصبح بعضهن يقفن على حد التساوي مع نظرائهن في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية!
إن ما يقرب من 33 % من الشركات التي تديرها نساء في الإمارات العربية المتحدة تحقق إيرادات بقدر أعلى من 100 ألف دولار مقارنة بنحو 13 % من الأمريكيات اللاتي يُدرن شركات في سوق العمل الأمريكي، أي أن المرأة العربية، إذا ما أُتيحت لها الفرصة، تحقق أكبر الإنجازات!
وقد أصبحت المرأة الآن على قدر عال من الخبرة اللازمة في عدة مجالات حيوية، وقد بلغ متوسط خبرة العمل، للإناث، في الإمارات العربية المتحدة، 6 سنوات، وبلغت نحو 11 عامًا في لبنان، وفي البحرين ارتفعت نسبة النساء، مالكات مؤسسات العمل، لتصل نحو 60%!
شركات تملكها نساء عربيات
أفاد تقرير صادر عن الماسة كابيتال أن أكثر من 25 % من الشركات الناشئة الجديدة يتم تأسيسها من قبل النساء العربيات، وقد بلغت أصول الشركات الناشئة التي تديرها نساء في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 385 مليار دولار!
إن نسبة الشركات التي تملكها نساء في أكثر من دولة عربية قد ازدادت عن ذي قبل وفي حين أن أي شركة ناشئة جديدة يمكن أن تخلق وظائف لأفراد عديدين، فإن الشركات المملوكة للنساء توفر فرصة أكبر لإلحاق الإناث بسوق العمل.
وقد دفع عدد من الصناديق العالمية مثل صندوق ريادة الأعمال الخاص بإيفانكا ترامب ومؤسسة Cherie Blaire وصندوق المرأة العالمي جهودها نحو تحفيز الاستثمار في الأعمال التي تقودها نساء في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
وزادت كل تلك الجهود من وعي النساء بضرورة اقتحام مجالات ريادة الأعمال وترك بصمة قوية لأياديهن الناعمة في تلك المجالات، وذلك عبر تأسيس شركات رائدة مختصة بذلك الدور، مثل شركة Womena التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها وهي تعمل على توجيه وتثقيف رائدات الأعمال وتوفير فرص نجاح مناسبة لهن.
سياسات العمل العادلة أمر لابد منه
إن وضع الحكومات العربية سياسات عمل عادلة هو أمر ضروري وبالغ الأهمية.
فالأهم من تحفيز الريادة النسائية لقطاعات الأعمال وتقديم الجوائز للنساء الناجحات هو سنّ القوانين التي تضمن تهيئة بيئات عمل مناسبة، ووجود هذه القوانين الصارمة هو الضمانة الحقيقية لدخول المرأة مجالات العمل المختلفة ومشاركتها في الأدوار الريادية!
وعلاوة على ذلك، فإن البلاد العربية التي بها نسبة أكبر من النساء، كصانعات قرار في الهيئات التشريعية، تظهر بها فرص أكبر تستطيع المرأة من خلالها تحقيق النجاح في شركات ناشئة وعلامات تجارية قوية.
وذلك بخلاف البلاد العربية التي تجعل تمثيل المرأة منخفضًا للغاية في مجالات ريادة الأعمال بسبب الصور النمطية التقليدية لدور المرأة ربّة البيت، ووصمة العار المتعلقة بمكانة المرأة في المجتمع!
ولذلك يجب أن تكون الأدوار الأولى للحكومات العربية هي الالتزام بدعم تمكين المرأة في قطاعات الأعمال وتذليل كل الصعاب التي تواجه النساء في تولي مهام هذه الوظائف!
ومع تنامي الدعوة لتمكين النساء على كل الأصعدة أصبح هناك دور ريادي للمرأة في المناصب الحكومية ببعض البلاد العربية، مما مكنها من دعم حقوق النساء في ريادة الأعمال.
وفي الواقع، يساعد إشراك النساء في المناصب الحكومية على تعزيز كسر الحواجز أمام أي امرأة تتردد في النزول لميدان العمل، ويرجع ذلك إلى قدرة المرأة على أن تكون أكثر فعالية في فهم امرأة مثلها.
ومن خلال وجود نساء في مناصب حكومية قيادية تم إطلاق الكثير من المبادرات الملهمة لتدريب آلاف الفتيات في عدة قطاعات عمل مهمة، وإتاحة الفرصة للنابهات منهن للحصول على تمويل ليصبحن رائدات أعمال ناجحات!
المرأة العربية تحقق المعجزات
في العقود القليلة الماضية زادت الفرص أمام النساء العربيات لإثبات جدارتهن في سوق العمل، مما سمح لكثيرات منهن بالتفوق الهائل في عدد من المجالات، لاسيما في قطاعات التكنولوجيا والاتصالات، ونستعرض فيما يأتي مثالين لتوضيح الدور البارز للريادة النسائية.
نايلة الخاجة رائدة السينما الإماراتية
هي رائدة أعمال إماراتية، عندما تخرجت من الجامعة، قبل 25 عامًا، لم تكن هناك أية جامعات أو معاهد، في الشرق الأوسط، مخصصة لفنون السينما ونحوها.
وقد تقدمت نايلة بأوراقها إلى جامعة رايرسون في تورنتو في كندا ونجحت في الالتحاق بها، ودرست فيها كل ما يتعلق بالسينما لمدة أربع سنوات.
وعندما عادت إلى الإمارات العربية المتحدة بعد ذلك كانت من بين مجموعة صغيرة من النساء اللاتي يكافحن من إجل إثبات أن الريادة النسائية ممكنة في مجالات مختلفة في سوق العمل العربي!
لقد بذلت نايلة الخاجة كل جهدها من أجل الوصول بالسينما الإماراتية إلى الريادة المحلية والإقليمية، بعد أن لاحظت غياب الأفلام الروائية الإماراتية في مختلف المهرجانات السينمائية الدولية!، وقد حصلت على كثير من المنح الفنية التي ترعاها حكومة الإمارات العربية المتحدة.
وحصلت على لقب أول منتجة أفلام في دبي بعد أن أسست شركة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني D-Seven Motion Pictures في عام 2005.
ورغم شكوك الكثيرين في المنطقة العربية تجاه قدرة المرأة على إبرام الاتفاقيات، إلا أن نايلة استطاعت، بكل حكمة واقتدار، عقد اتفاقيات عمل مشتركة مع عملاء مثل Mercedes-Benz و BMW و Vogue و Nike و Nivea و Gucci و Canon و LG!
وفي عام 2007 أطلقت نايلة “The Scene Club” كأول نادي سينمائي في دبي، وفي نفس العام فازت بجائزة المهر لأفضل مخرجة إماراتية في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
وقد زادت عضوية نادي نايلة السينمائي من 50 في العام الأول إلى أكثر من 10 الاف عضو، وقد صنّفتها “أريبيان بزنس” كواحدة من أقوى 500 امرأة عربية!
نايلة الخاجة وحقوق المرأة في الإبداع
بالصدفة اكتشفت عالم صناعة الأفلام في سن 19 ووقعت في حبها تمامًا لأنني شعرت أنها منحتني الكثير، لقد منحتني سعادة غامرة عبر عناصرها الفنية، مثل الإضاءة والتصوير والمساحات الإيجابية في موضوعاتها التي تنبض بالحياة!
وفي مجال يستمر فيه التقليل من قيمة الآراء الأنثوية، تشيد نايلة بزميلاتها الأخريات لإثبات أنهن قادرات على التفوق والريادة.
لقد أصبحت الريادة النسائية، في مجال السينما، على يد نايلة وزميلاتها، بمثابة دعوة مجانية للنساء، في كل مكان، للعمل الجاد من أجل تمكين المرأة العربية ورفض احتكار الرجل، بمفرده، الحق في التعبير والإبداع!
يهيمن الذكور على قطاعات ريادة الأعمال بدرجة كبيرة ، لذلك يجب أن يكون لدى المرأة جلد سميك لاحتمال كل التحديات التي تواجهها، وهذا ليس بالأمر الهين، لقد تضاعف جهدي أكثر من نظرائي من الرجال في هذه الصناعة حتى حققت هذه المكانة.
ومع ذلك تعتقد نايلة أنه من المهم توجيه وإرشاد النساء الأخريات أثناء محاولتهن تسلق سلم أي صناعة ومحاولة تحقيق النجاح فيها، وهي تنصح الشابات بالتجرؤ على مطالبة دور الإنتاج بالتدريب والمشاركة للحصول على فرص واعدة في مثل هذه المجالات في المستقبل.
حياة سندي مُلهمة كامبريدج
وإذا كانت نايلة الخاجة من الأمثلة الواضحة على الريادة النسائية في ميدان الأفلام السينمائية، فإن حياة سندي من أكثر النساء العربيات تأثيرًا في العالم فيما يتعلق بالعلوم الطبية.
وقد نشأت في المملكة العربية السعودية، وتلقت تعليمها في المملكة المتحدة، وكانت أول امرأة من دولة عربية في منطقة الخليج العربي يتم قبولها في جامعة كامبريدج، وهي من أول 30 امرأة يتم تعيينهن في مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية!
وتم اختيار الدكتورة حياة كواحدة من أفضل 100 امرأة، على قناة BBC، لعام 2018، في قائمة من النساء المُلهمات والمؤثرات من جميع أنحاء العالم.
وتشمل مسيرتها المهنية الرائعة احتلالها المركز الأول في مسابقة MIT لريادة الأعمال التي تبلغ قيمتها 100 ألف دولار، لقد كان ما يُحرِّك الدكتورة حياة، عبر كل أنشطتها المختلفة، هو شغفها المستمر لتطوير أنظمة عمل يمكنها تجاوز الفجوات القائمة بين التعليم والفرص المتاحة.
وقد كانت الدكتورة حياة في السابق باحثة زائرة في جامعة هارفارد، وساعدها ذلك على السفر والتنقُّل كثيرًا بين جدة وبوسطن وكامبريدج وماساتشوستس.
وأكسبها العمل المخبري في جامعة هارفارد مكانة بارزة مع أربعة علماء آخرين، وتم عرض المسيرة الحافلة لدكتورة حياة سندي في فيلم وثائقي بدعم من المكتب التنفيذي لرئيس الولايات الأمريكية المتحدة!
إقرأ أيضًا
حياة سندي بين الابتكار وخدمة المجتمع العربي
تسعى دكتورة حياة سندي إلى زيادة الوعي بالعلوم بين الإناث في المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي، فهي المؤسس المشارك لـ “Diagnostics For All”.
وهي منظمة غير ربحية تهتم بتقديم مساعدات منخفضة التكلفة لأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية في الدول النامية، ولأجل جهودها المبذولة في قطاعات ريادة الأعمال وتنمية المجتمعات عيّنتها المديرة العامة لليونسكو في عام 2012 كسفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو.
لم تتوقف إنجازات دكتورة حياة عند أي تكريم، ولم تنته مسيرتها المُشرقة عند أي جائزة محلية أو دولية، لقد زاد ذلك من إصرارها على مواصلة النضال النسوي في المنطقة العربية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان لها الريادة في ابتكار ما يفيد الإنسانية، إذ ابتكرت الدكتورة حياة أداة تشخيص منخفضة التكلفة للكشف المبكر عن سرطان الثدي عن طريق تحويل الضوء إلى صوت، وحصلت على تسع براءات اختراع!
وتم منح جائزة كلينتون للمواطن العالمي للدكتورة حياة سندي عن دورها في ريادة المجتمع المدني في عام 2014، وفي عام 2017 تم تعيين الدكتورة حياة ككبيرة المستشارين العلميين لرئيس البنك الإسلامي للتنمية.
ومن خلال هذا المنصب، وضعت الدكتورة حياة العلوم والتكنولوجيا والابتكار في صميم عمل البنك الإسلامي للتنمية، بحيث أصبح ذلك بفضلها محركًا قويًا للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة من عام 2018.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد ساهمت دكتورة حياة في إطلاق منصة Engage لبنك التنمية الإسلامي بقيمة 500 مليون دولار لدعم المبتكرين لإيجاد حلول لتحديات التنمية في المجتمع العربي.
هل قرأت؟
وقد تم اختيارها من قبل Newsweek و The Daily Beast كواحدة من “150 امرأة شجاعة” في العالم، وصنّفتها مجلة CEO باعتبارها تاسع أقوى امرأة عربية وثالث أقوى امرأة سعودية!
ولن تقتصر الريادة النسائية على نايلة الخاجة أو حياة سندي، فالمنطقة العربية تزخر بالمئات بل والآلاف من النساء القويات اللاتي يملكن أحلامًا ولا تنقصهن القدرة على تحقيقها!
وسيصبح بإمكانهن تحقيق الريادة في ميادين العمل متى تم تهيئة بيئات عمل مناسبة لهن، ومتى وضعنا لهن سياسات وأنظمة عمل عادلة غير مُجحفة!