إن مصطلح التمكين المُحمّل بمختلف أنواع الإيحاءات التقليدية، والمستخدم بغزارة في كثير من الأجندات العربية السياسية، يعمل على إلحاق الضرر بالنساء بسبب الممارسات الخاطئة للتمكين المزعوم!
ولذلك شهدت العشرة سنوات الأخيرة، انتفاضة نسائية ليس فقط للمطالبة بحقوق المرأة كاملة، بل للدفاع عن أحقيتها بجدارة في صناعة الحاضر والمستقبل!
وإذا كنت تطالع النشرات اليومية لريادة الأعمال الرقمية العربية عبر الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، ستفاجئك الأخبار بالدور البارز للمرأة العربية في عالم الريادة الرقمية!
اختراق المرأة العربية لمنصات الريادة الرقمية
إذا كنت تتساءل عن معنى الريادة الرقمية، فالمقصود بها هو كل نشاط ريادي يتم من خلال الوسائط الرقمية المتصلة بالإنترنت.
وقد أتاحت هذه الوسائط للمرأة العربية الفرصة كاملة بما لها من امتيازات عمل كثيرة مثل: تقليل الكثير من تكاليف العمل التقليدية، ومكافحة الاستبداد الذكوري في بيئات العمل. إلى جانب توفير الوصول إلى قاعدة عملاء غير محدودة!
والملاحظ هو زيادة أعداد النساء العربيات، لاسيما اللاتي في مقتبل العمر منهن أو من جيل الألفية عمومًا، في هذا المجال الحيوي، والمزدحم بالرجال!
لقد منحت منصات الريادة الرقمية النساء الحرية الكاملة في الموازنة بين العمل ومسؤوليات البيت! والأعمال الرقمية بذلك تكون قد سدّت فجوة الوظائف التقليدية.
إقرأ أيضًا
ولذلك ينظر الكثيرون إلى ريادة الأعمال الرقمية على أنها تقدم الحلول لقضايا توظيف النساء بحقوق وأجور عادلة!
كل ذلك ساعد النساء العربيات في أن يصنعن قصص نجاح حقيقية في منصات الريادة الرقمية، ووصل بهن الأمر إلى تصدر القوائم العالمية لأصحاب الشركات الرقمية الناشئة الأكثر نجاحًا.
بعد أن كانت لأياديهن بصمة واضحة في أعمال الريادة الرقمية التي ارتبطت في المقام الأول بالنهوض بالمجتمع العربي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
السر وراء نجاح المرأة العربية في أعمال الريادة الرقمية
في دراسة لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، حول القيادات النسائية العالمية في 42 دولة مختلفة، بما في ذلك منطقتنا العربية، عن تجاربهن وأفكارهن فيما يتعلق بالتحول الرقمي، أوضحت هذه الدراسة أن المرأة تشغل 64% من مراكز القيادة مثل مناصب أعضاء مجالس الإدارة أو المديرات التنفيذيات.
وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن المرأة التي تنجح في عالم الأعمال الرقمية تتمتع بعدد من المقوّمات التي تساعدها بشكل جذري في مواجهة تحديات الأعمال الرقمية بشكل ناجح.
وكانت أبرز هذه المقوّمات: شبكة علاقات شخصية نشطة، ومهارات تواصل قوية ومعرفة جيدة بالتقنيات الجديدة، والتحلي بالشجاعة لاتخاذ قرارات حاسمة.
وقد أظهرت بعض الدراسات العربية الحديثة نتائج مماثلة، وكل ذلك يجزم ببراعة المرأة في تحقيقها أفضل نتائج في عالم الريادة الرقمية كالرجل تمامًا، بل قد تتجاوز الرجل في بعض الأحيان!
وإذا ما نظرت إلى أن المرأة في بعض الشركات العربية الناشئة في المجالات الرقمية، تصل لأن تكون مسؤولة عن موظفين، تصل أعدادهم لآلاف، وعدد مهام هائل يوميًا، يتطلب تنفيذها استراتيجيات عمل معقدة غالبًا.
فحينها ستعيد نظرتك التقليدية للمرأة العربية!
كيف يمكن دعم المرأة في توسيع قاعدة أعمالها الرقمية
إن الواقع الحالي لرائدات الأعمال الرقمية في منطقتنا العربية، يتطلب المزيد من الدعم عبر توفير كافة الأدوات واستراتيجيات العمل الملائمة من خلال عمل مؤسسي وحكومي في المقام الأول!
ولتبسيط هذه المسألة يمكنني إخبارك، عزيزي القاري أن الريادة الرقمية مرادفة للخبرة التكنولوجية، ومعنى ذلك أننا في منطقتنا العربية إذا توسّعنا في دعم “التعليم الرقمي” سنصل لنقطة تعادل في صالح المرأة، بحيث تزداد الفرص المتاحة لها لتطوير المهارات التكنولوجية اللازمة للتفوق في الأعمال الرقمية!
وعلى النقيض من ذلك، فإن الاهتمام الأول في كثير من الجامعات العربية، إنما هو في حقيقة الأمر لتعليم مواد تقليدية، ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بسوق العمل العربي.
وهو الأمر الذي يدفع بالشابة والفتاة في نهاية المطاف إلى المكوث في المنزل بعد رحلة تعليمية طويلة!
ولتفهم أبعاد هذا الأمر، عليك الاطلاع على دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2015، وظهر فيها أن افتقار المرأة إلى الثقة بالنفس هو بسبب ضعف الفرص التعليمية التي تتلقاها في المجالات الحيوية مثل العلوم والتكنولوجيا الرقمية!
إن ما تشير إليه كل هذه النتائج في المقام الأول، هو أن تمكين المرأة في مجالات الريادة الرقمية يبدأ من الجامعة بل من المدرسة!
وإذا كان الهدف الحقيقي للمجتمعات العربية هو رؤية المزيد من الشركات الناشئة الناجحة في مجال التكنولوجيا الرقمية بقيادة النساء، فلا يكفي تشجيع هؤلاء النساء لفظيًا فحسب!
بل لابد من توفير وسائل التمويل الكافي لمن تتقدم بأوراق مشروع شركة ناشئة طموحة وواعدة مع توفير آليات عمل تضمن حقوق المرأة وتكفل لها سياسات عمل مناسبة.
نماذج لريادة رقمية من صنع نساء عربيات
فيما يلي، سألقي الضوء على نماذج من النساء العربيات اللاتي استطعن تحقيق نجاحًا ملحوظًا في مجالات الريادة الرقمية.
وإذا أمعنت النظر، عزيزي القارئ في هذين النموذجين القادمين والصراعات التي خاضتها كل واحدة منهما، ستدرك لا محالة عظمة الدور الذي تلعبه المرأة العربية رغم كل التحديات اليومية!
شدو هلال
أنهت المصرية “شدو هلال” دراستها الجامعية في طب القصر العيني، ورغم تميزها الطبي، إلا أنها رأت في نفسها جدارة واستحقاق، لخوض ميدان سوق العمل من أكثر أبوابه تنافسية!
فقد قررت وهي تبلغ من العمر 21 عامًا فقط، إطلاق أول مشروع لها بعد حادث مؤلم تعرّضت له إحدى صديقاتها!
لقد جاءت إليّ صديقتي وهي تبكي، حكت لي أنه كان هناك رجل يتبعها في الشارع ويزعجها، حتى تحرش بها ولم تجد من يساعدها، لذلك فكرت أنا كيف يمكنني مساعدتها هي والنساء الأخريات في هذه المواقف؟
شدو هلال
ومن هذه اللحظة قامت شدو مع صديقة لها، بتطوير تطبيق Rescue، بعد أن أدارت الشركة الناشئة المسؤولة عن إصدار مثل هذه التطبيقات التكنولوجية لقد كان ذلك التطبيق بمثابة مطرقة البداية التي تبعها نجاحات مذهلة لشدوى!
فقد شاركت شدو من بعد ذلك، في كأس Orange Startup Cup وفي العديد من مسابقات ريادة الأعمال الرقمية النسائية، غير أن تركيزها كان في تعزيز تطوير تطبيقات إلكترونية تعمل على تأمين المرأة العربية وحمايتها.
وعلى غرار التطبيق المغربي Securella، تعتمد شدو في شركتها الناشئة على شبكة من المتطوعين المنتشرين في مناطق مختلفة!
نيللي أغبوغو
نيللي أغبوغو من نيجيريا، هي مدربة تسويق رقمي واجتماعي لأصحاب الأعمال في جميع أنحاء إفريقيا.
وبعد عشرات السنين من الخبرة المهنية، وصلت أغبوغو لتصبح مسؤول قاعدة بيانات “أوراكل”، وأول مدرب إنستغرام نيجيري لتدريب أكثر من 200000 من أصحاب الأعمال في 40 مدينة حول العالم!
وتتميز أغبوغو بأسلوبها الاحترافي، في تعزيز مبيعات الشركات النيجيرية والإفريقية الناشئة، التي تعتمد على منصة إنستغرام بدرجة كبيرة، فهي تحقق أرقام مبيعات تفوق الكثير من زملائها الرجال!
وبسبب براعتها وكاريزمتها الجذابة، تم الإشارة لها في أحاديث صحفية، في عدد من الصحف والمجلات العالمية المرموقة، مثل: CNBC AFRICA و TW Magazine و GUARDIAN NEWSPAPER و ARISE TV و EBONYLIFE TV.
وقد نجحت أغبوغو لتصبح من بين 100 سيدة رائدة أعمال رقمية في نيجيريا!