“الروضة” هي المصطلح المعروف لتعليم أولادنا منذ الصغر منذ عقود سحيقة وإلى الآن، وعندما يتبادر إلى ذهن أحدهم أن ابنك أو ابنتك لا يذهبون إلى الروضة وغير مقيدين بالتعليم النظامي، وأنك تقوم بالتعليم المنزلي أو ما يسمى Homeschooling يلاقي ذلك التعجب والاستنكار والفضول، بل وعدم الفهم، في ظل غياب ثقافة مجتمعية حول طرق جديدة اتبعتها الكثير من الدول خاصة الأجنبية منها، بل ولاقت نجاحًا كبيرًا.
وفقاً للمعهد الوطني للبحوث والتعليم المنزلي في الولايات المتحدة الأمريكية، التلاميذ الذين يدرسون بالمنزل متقدمين بشكل أكبر تعليميًا من أولئك الذين يدرسون بالمدرسة، حيث أجرى المعهد اختبار معياري حصل فيه تلاميذ المنزل على 87% في حين حصل طلاب المدارس العامة على 50% من متوسط الدرجات .
التعليم المدرسي قد يكون مجرد “حشو” ينساه المُتعلم بسرعة
“في البداية كان الأمر جيدًا ولكن بعد مضي 3 سنوات في المدرسة أصبح ابني عنيفاً، يتلفظ بأفظع الشتائم دون سبب، و يصحو من النوم مفزوعًا كل يوم من الكوابيس دون سبب ويدخل في حالة بكاء هستيري”
هذا ما بدأت به سعاد أم الطفل محمد كلامها عن سبب تحولها من التعليم النظامي إلى المنزلي والاستغناء عن المدرسة التي تسببت على حد قولها في تشويه نفسية طفلها طيلة ثلاث سنوات، حيث تضيف:
توجهت به بعد ذلك لطبيب نفسي الذي اكتشف أنه عانى من الكثير من الضغط في المدرسة والذي اكتشفته أيضًا أن عدد من زملائه قد أصيبوا بنفس الأعراض ومنهم من أصيب باكتئاب رغم صغر سنه ومنهم من تعرض لانهيار عصبي
وتشرح سعاد أنها منذ اكتشفت ذلك قررت ألا ترسل ابنها للمدرسة مرة أخرى فهي ليست غنية عن صحته النفسية على حسب قولها، ولجأت إلى Homeschooling، فالتعليم المدرسي كان مجرد حشو ينساه ابنها بعد الخروج من قاعة الامتحان.
فقامت بالانضمام إلى مجموعات التعليم المنزلي التي تضم العديد من المعلمين والأمهات وتعرفت على آليات التعليم بالمنزل، ثم أحضرت المناهج خاصة المناهج الدولية التي كانت أسهل في فهمها على الطفل، وبدأت في تعليم ابنها تدريجيًا، مؤكدة على تحسن حالته النفسية منذ ذاك الوقت، أصبح الطفل مقدمًا على التعلم ومستمتعا بكل ما يفعله إلى جانب ممارسته الهوايات التي نمّت من شخصيته بشدة.
ولكن هذه الحالة الاستثنائية لا تعني عدم جدوى التعليم المدرسي وهي ليست بتاتًا نوع من التشجيع للآباء على الإقدام على هكذا خطوة لأنه قرار يجب أن يكون مسؤولاً، وتبقى حرّية الاختيار ترجع للأبوين آخذين في الاعتبار التبعات المترتبة على ذلك من ناحية القوانين التي تعتمدها كل دولة.
ما هو التعليم المنزلي
التعليم المنزلي هو حركة تقدمية في جميع أنحاء العالم، حيث يقوم الآباء بتعليم أطفالهم في المنزل بدلاً من إرسالهم إلى مدرسة تقليدية عامة أو خاصة. و تختار العائلات التعليم المنزلي لأسباب متنوعة، بما في ذلك عدم الرضا عن الخيارات التعليمية المتاحة، والفلسفات الدينية أو التربوية المختلفة، والاعتقاد بأن الأطفال لا يتقدمون في هيكل المدرسة التقليدية.
وقد بدأت فكرة التعليم المنزلي منذ السبعينيات من القرن الماضي، حين بدأ جون هولت و دوروثي و ريموند مور المؤلفين والباحثين في مجال التعليم في الكتابة عن الإصلاح التعليمي، إلى أن أصبح هذا النوع من التعليم مقنن في بعض البلدان منها الولايات المتحدة الأمريكية.
أهم ما تحتاجه لتبدأ رحلة التعليم المنزلي مع أبنائك
هناك الكثير من المتطلبات التي يحتاجها الوالدين قبل اتخاذ قرار البدء بالتعليم المنزلي، وذلك وفقاً لقوانين الدولة ولكن الشيء الأكثر أهمية من ذلك هو هل يحب الآباء قضاء الوقت مع أطفالهم أم لا؟ هذا إلى جانب طاقتهم و احتمالهم وشغفهم بالتعليم ومثابرتهم على نمو الطفل في مراحله المختلفة، حيث يقول هولت مؤلف كتاب “علم نفسك” الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الآباء الذين يتخذون هذا القرار يجب عليهم أن يستمتعوا بكل أحاديث أبناءهم وأسئلتهم بل ويتمتعوا بنفس القدر بالإجابة على تلك الأسئلة، وبالتالي فإن أهم شيء هنا هو الرغبة والتفاني في العملية التعليمية.
كيف تبدأ المغامرة المنزلية التعليمية
إذا لم يسبق لأولادك الالتحاق بالمدرسة النظامية فهذا سيسهّل الأمر للغاية، حيث يمكن أن تطوّر معهم منهجًا خاصًا بسهولة فيلتزمون به أكثر مما إذا كان لديك أولاد فعلاً في المدرسة وقررت نقلهم للدراسة في المنزل، حيث أنه في تلك الحالة، عليك أن تخبر المدرسة بانسحاب طفلك من العملية التعليمية للبدء في التعليم المنزلي، وهذا يختلف من دولة إلى أخرى حسب ما تم تقنينه من ناحية التعليم المنزلي.
بعد هذا يجب عليك أن تختار المنهج الذي سوف تسير عليه مع أولادك، فهناك العديد من المناهج والطرق المختلفة للبدء في التعليم المنزلي، وكذلك الفلسفات المختلفة منها طريقة مونتيسوري، شارلوت ماسون، التعليم الكلاسيكي، تعليم القيادة، التعلم القائم على الاهتمام، دراسة الوحدة، وغيرها.
ففي كتابه The Element، كتب كين روبنسون:
مفتاح التحول التعليمي ليس لتوحيد التعليم، ولكن لتخصيصه، لبناء الإنجاز في اكتشاف المواهب الفردية لكل طفل، ووضع الطلاب في بيئة حيث يريدون التعلم وأين يمكنهم اكتشاف عواطفهم الحقيقية بشكل طبيعي
وبالتالي فإن دورك الأساسي هنا كيف تخلق جوا تعليميًا ملائم لاحتياجات وطبيعة وشخصية طفلك بشكل يتناسب مع اهتماماته وقدراته التعليمية والفكرية.
أفضل مناهج التعليم المنزلي لمن يريد أن ينطلق في ثورة تعليمية من أجل فلذات كبده
ليس هناك طريقة مثلى فهناك من يختار تكرار تجربة المدرسة بنفس مناهجها، وهناك من يقلب الطاولة تمامًا على التعليم النظامي ويدمج مجموعة من الأساليب هدفها المتعة وليست مقيدة بأية قوانين وهنا أنت من تختار حسب معاييرك وأهدافك وطبيعة طفلك والقيم التي تريد غرسها فيه، وكذلك الوقت والمال الذي ستوفره من ذلك.
يمكنك الدمج بين كل الخيارات ولكن يجب الأخذ في الاعتبار معرفة الطريقة التي يتحفز بها طفلك ليتعلم وهنا إليك ابرز مناهج التعليم المنزلي.
1. التعليم المنزلي وفق منهج الدولة
هو شكل متاح في عدد من الدول العربية، حيث يتعلم الطفل وفق المنهج الذي تضعه الدولة، ولكن في المنزل، قد تكون هناك بعض الشروط مثل التقييم والامتحان في المدرسة وما إلى ذلك. وقد تكون تلك الفكرة مناسبة للبعض حيث أنها تتيح للطفل المزيد من الوقت الحر لتعلم أشياء إضافية بجانب المنهج الدراسي، وممارسة الكثير من الأنشطة العائلية والسفر وغيرها.
2. التعليم المنزلي وفق منهج حر
وهنا يقوم الآباء باختيار المنهج المناسب والذي قد يدمجون فيه منهج المدرسة حسب رؤيتهم الشخصية بالإضافة إلى مناهج أخرى لمختلف المواد، ويوفر هذا النوع المزيد من الحرية وعدم التقيد بمنهج معين حيث يمكن تغييره حسب قدرة واستجابة الطفل وميوله، وبالتالي فهو الأسلوب المفضل للتعليم المنزلي، بحيث يسمح للطفل التركيز بشكل أكبر على المواد التي يحبها والاهتمامات والهوايات الخاصة به .
3. التعليم الموازي
وهو نوع من التعليم الذي يتبعه البعض في الدول التي لا تقنن التعليم المنزلي، حيث يذهب الطالب إلى المدرسة إلى جانب خضوعه لمناهج أخرى مختلفة بشكل تفاعلي، وهذا ما تتبعه عدة دول مثل ألمانيا واليابان، حيث يمكّن هذا النظام الأطفال من الوصول إلى مراحل متقدمة من التعليم، خاصة تعلم اللغات والتكنولوجيا، هذا النموذج هو الأكثر قابلية للتطبيق في المنطقة العربية.
ورغم كون ثقافة التعليم المنزلي بعيدة بشكل كبير عن التفكير السائد في معظم الدول العربية ونظمها التعليمية، وحاول الكثيرعرقلة الوصول إليها إلا أنها قد نالت نجاحاً كبيرًا في العديد من الدول الأخرى خاصة الأجنبية منها، بل ووجدت طريقها إلى النور لما لها من نتائج إيجابية على صحة الطفل النفسية والعقلية.
ولعل أزمة الوباء الحالية فرضت على أولياء الأمور أخذ زمام الأمور بأيديهم والمشاركة في مسؤولية تعليم الأبناء منزليًّا لأن خيارات التعليم عن بعد بسبب الحالة الوبائية لا تقدم الجودة التعليمية كما هو مفترض، هل من المعقول أن تجعلنا الأزمة الحالية نغير من منظورنا تجاه الطرق التي يتعلم بها أولادنا؟