قضايا المرأة

الاغتصاب الزوجي… حكايات حقيقية من واقع مقهور

الاغتصاب الزوجي… حكايات حقيقية من واقع مقهور
شارك الموضوع

تحلم … ولكن حين يتحوّل الحلم إلى كابوس، تجد اليوم قد اسوّد لونه، وتجد قلبك قد انقبضت أسارِيره، ولكن ما هو الحال إذا تحوّلت حياتك بأكملها إلى كابوس تعيش واقعه المرير كل يوم وتتذوّق ألم ذكراه ما حَييت…

هذا هو حال المئات بل الآلآف من السيدات اللواتي حلمن بعش زوجية سعيد تُسرعن إليه من بؤس العالم وشقائه. حالمات أنه طوق النجاة من الكثير من المآسي. ولكنهن يُفاجئن بأنه الموت قد يوجد وسط الحياة، تُقتل فيه كل منهن يوميًا ولكنها تزال حية بجسد فقط دون روح. 

الاغتصاب الزوجي هو ما تتعرض له الكثير من السيدات في عصرنا هذا تحت مسمى الزواج. “العهد الذي تشوبه الرحمة والحب والأمان” ليتحول إلى تعد من نوع خاص.

ولكنه حتى الآن لا يُعد ذنبًا في نظر كثير من المجتمعات التي ترضى بنوع من أنواع العنف طالما ظل مسكوت عنه ويكمن تحت عنوان ” العيب” الذي تربينا عليه جميعًا في المجتمع الشرقي. 

وهنا نحن نوينا كما العديد من المنصات الالكترونية أن نكسر تابوه ثقافة الصمت التي تعهدناه دهرًا ضد تلك الجريمة المشروعة المسماه بالاغتصاب الزوجي. أو قُل “القتل المعنوي تحت إطار مشروع “. 

الاغتصاب الزوجي… واقع مخيف وقصص مؤلمة

“كأني أعيش في سجن غوانتانامو”

” كأنني أعيش كل يوم في فيلم خيال علمي، أستيقظ منه على واقع يمرر حياتي”. هكذا بدأت منى (اسم مستعار) حكايتها مع التعذيب المستمر الذي تعيشه منذ 15 سنة زواج. حينما كانت في ريعان شبابها، وتحلم بحضن دافئ يجتمع بها في عش الزوجية. ولكنها تفاجئت بشخص مختلف تمامًا عمن أُعجبت به من البداية. فهو أصبح على حد وصفها “حيوان في صورة إنسان”. 

تقول منى:

“كنت بعاني بالكثير من المتاعب النفسية في بيت أبي .. ولهذا وافقت على أول عريس تقدم لخطبتي. مكنتش متوقعة أن يتدهور بي الحال هكذا. لقد فرش لي زوجي الأرض بالورود وعملي من البحر طحينة إلى أن نال مني وأدخلني القفص” 

وتستكمل منى حكايتها :” مش عارفة أنا اللي مكنتش بشوف ولا هو عرف يرسم صورة الملاك في البداية”

موضحة أنه منذ اللحظة التي تم فيها إغلاق باب المنزل عليهما في ليلة الدخلة، تحول فيها إلى إنسان قاسي وشرير حيث أدخلها غرفة النوم وقام بإلقائها على الأرض لتبدأ من هنا اسطوانة العذاب شبه اليومي.

حيث توضح منى : “لا يتلذذ بممارسة الجنس معي إلا وأنا أصرخ من شدة الألم الذي ينتابني من  شدة ضربه ب” الشلاليت” والعصيان حتى أدخل في حالة من البكاء الشديد ومن هنا يبدأ بمضاجعتي وكأن ده هو سر متعته” 

الاغتصاب الزوجي ومرارته تستمّر في حديثها فتضيف منى ودموعها تذرف جراء ما تتذكر من ليالي عانت فيها من عذاب قائلة :”ومكتفاش بكل ده .. لا كان بيحاول يجدد في أسلوب تعذيبه لي كل فترة فأحيانًا يقوم بخنقي حتى أصل لجثة هامدة في عداد الأموات، ثم يمارس معي الجنس، ولا أستيقظ الا وأجد ملابس ممزقة وآثار الكدمات على وجهي وجسمي”.

“أنا عايشة معاه بس عشان خاطر عيالي، أروح بيهم فين ..هم اه شايفين العذاب اللي أنا فيه ودايقينه معايا، لكن حتى لو طلبت الطلاق تفتكر الموضوع سهل كده”

هكذا تنهي منى حكايتها المأساوية وتنهار بالبكاء بعد أن تعبر عن مدى كراهيتها لحياتها وكراهيتها لغرفة النوم التي أصبحت بالنسبة لها مثل “سجون جوانتنامو” على حسب تعبيرها، مشيرة إلى أنها أصبحت تتجنب النظر إلى نفسها في المرآة بسبب كراهيتها لجسدها، هذا إلى جانب القشعريرة التي تنتابها بمجرد اقتراب أي رجل منها. 

“يعاملني على أني عاهرة من بنات الشوارع”

الاغتصاب الزوجي مسلسل عنف مستمر، فقد كان حال خيرية (اسم مستعار) أسوأ بكثير مما سبقتها، حيث بدأت بسرد قصتها والخجل يعتصر وجهها والدم يجري في عروقها، حتى أنها تكاد تنفجر من الاحمرار بسبب قلة حيلتها في الدفاع عن نفسها التي وصفتها بقولها “أنا ست مكسورة الجناح لا حول لي ولا قوة”. 

 حيث تحكي خيرية قائلة:

“أنا عارفة إن اللي هقوله ده هتلام عليه كتير أوى، وأنا سكت كتير ولكن فاض بي الكيل، أنا مبقتش قادرة استحمل” وتستكمل “أنا زوجي يعاملني على أنني عاهرة من بنات الشوارع.. إنسانة ساقطة .. دي مستحيل تكون معاملة زوج لزوجته و كأنه أخذني من بيت الدعارة .. أنا مش فارق معايا أوي الضرب الشتيمة والإهانة اللي بشوفهم معاه كل يوم بعد ما يرجع من الشغل .. ‍اللي مأثر في أنه بيهيني قدام الأولاد ويطلب مني قدامهم إني أسبقه على غرفة النوم ولو إتأخرت دقيقة يرميني بأي حاجة يقولي اتاخرتي ليه يا جاموسة، شوفتي صاحبتك نظيفة إزاي في نفسها مش جاموسة زيك”

هكذا استطردت خيرية في مأساتها مشيرة إلى أن زوجها كان يخاطبها بتلك الجملة وهو معها في غرفة النوم بعد أن يقوم بضربها، بل أنه كان يلفظها بأقذر الشتائم متعللًا بأي خطأ قد بدر منها أو أنها قد أخطأت في تربية أولادها، أو يتحجج بأنها لا تعلم كيف تعامله كزوج.

“ثم يأمرني بعد هذا بخلع كل ملابسي ويتحداني بقوله: “اثبتيلي إنك ست زي بقية الستات”.

وتتذكر المرأة المسكينة والدموع تعتصر عينيها ليلة لم تُمحى من أمام عينيها حيث اشتد بها الألم مع زوجها أثناء العلاقة الحميمة وأخذت تصرخ من شدة العذاب للدرجة التي اجتمع فيها الجيران أمام باب شقتها ليعلموا ماذا يحدث ومن يومها لم تستطع تلك المرأة أن ترفع عينيها في أحد من الجيران، وكان الملجأ الوحيد لها هو إدمان الترامادول لتهرب من هذا الألم وتستطيع تنفيذ رغبات زوجها المميتة. 

حامي العرض منتهكه

“لم أكن أتصور أن من ظننته سيحمي عرضي ويدافع عن شرفي ويسترني هو من ينتهك جسدي بورقة أعطاها له مأذون” هكذا عبرت أحلام (اسم مستعار) عن معاناة ألمت بحياتها لدرجة جعلتها تكاد تبيع الحياة وتنهي آخر سطر من كتابها بالانتحار، ولكنها إنسانة مؤمنة تحاول صابرة أن تعبر هذا الكأس المرير.

بملامح جادة يشوبها اليأس تحكي أحلام، السيدة الثلاثينية التي تبدو من كلامها أنها على قدر جيد من الثقافة، عن مأساتها فتقول:

“منذ زواجنا الذي كنت أضع عليه آمالي بالآمان ليتحول إلى بئر من الوجع والحرمان، وهو يعاملني بعنف شديد وبأسلوب شاذ ..لا يجد متعته إلا بربطي بالأحبال في أعمدة السرير ونزع جميع ملابسي وانتهاك حرمتي بشراهة لم أراها حتى في أفلام البورنو” ولا يكتفي بذلك ليجلب سوطًا جليدًا ليعذبني به وعندما أصرخ طالبة منه الرحمة ملاقيش منه غير ضحكة عالية متلذذة بعذابي وهنا تكون قمة نشوته ليقوم باغتصابي دون رحمة إلى أن يُغمى علي “

ورغم تلك المعاناة التي استمرت على مدار سنوات إلا أن تلك  المرأة  احتملت الكثير رغم الآلآم حتى لا تخالف أمر الدين، مشيرة إلى أنه عند شكوتها لأحد أقاربها الذي له علاقة قوية بالدين كان  يجيبها: “ده حقه ويخده وقت ما يحب ويسيبه وقت ما يحب والا ستلعنك الملائكة زز عليكي تطيعي زوجك حتى تحصلي على الجنة”.

ويذكرها بحديث أبي هريرة عن رسول الله  (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا؛ لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).

إلى أن حدثت الصدمة حيث تقول أحلام: “فضلت مستحملة إلى أن جاء يوم سألني سؤالا غريبًا وهو يمارس العلاقة الحميمة معي: “ما جربتش العلاقة مع الستات؟”

وهنا افتكرت أنه مجرد هزار، وقلت له لأ .. فأصابني بصدمة لما قال لي: “لأ جربي هتستمتعي جدًا بس قدامي عشان نفسي أتفرج عليكم: وهنا أصابني الهلع وسكت لوقت وكأني غبت عن الوعي ولما رفضت ولمته على الكلام ده قام ضاربني وقال لي”أنا مدفعتش فيكي مهر و فلوس أد كده عشان متمتعينيش وترفضي كلامي”. 

وتلك هي حالات لا تُذكر من وسط المئات بل الآلآف تُعاني كل يوم من هذا الجرم المشرع من قبل المجتمع بل القانون.

مقال ذو صلة

لما قد يغتصب زوج زوجته؟

كل تلك المعاناة تجرنا داخل غياهب هذا المرض “الاغتصاب القانوني” الذي بات ينشب أظافره في جسد كثير من الأسر، لنجد الضعف قد ألم بها إلى أن تموت العلاقة، فما هي تلك الأسباب القوية التي تجعل الذكر يستغني عن رجولته وشهامته في صون حق المرأة، وبدلًا من أن يكون المُدافع يصبح  المُنتهك.

وماذا حدث لطبع الرجل ليصبح بتلك الشراهة الجنسية، وهل هي أمراض ألمت بالنفس الإنسانية؟

هجر الزوجة لزوجها و رفضها التجاوب معه في رغباته هو من الأعذار التي يتعلل بها الرجل حين يقدم على سلوك العنف الجنسي والاغتصاب الزوجي، و الكثير يقول أنه يضطر إلى هذا حتى لا يقع في علاقات أخرى محرمة بعد أن تمنعت زوجته عنه.

و هناك الكثير من السيدات يرفضن ممارسة الجنس بصورة طبيعية ولفترات طويلة، قد يرجع ذلك إلى أسباب نفسية أو جسدية، ولكون الرجل الشرقي لا يهتم بمثل تلك الأمور ويعتبرها حججًا واهية ولا يعطي للمشاعر الكثير من الاهتمام في تلك العلاقة، يجعله يعطي الأمر أهمية قصوى ويتحدى أي شيء للحصول عليه ولو بطريقة شاذة.

حيث تعتبر الزوجة ‘ناشز’ بالمعنى الشرعي، ما يفتح الباب لجحيم تتشرّب مرراته إنسانة بسبب الفهم الخاطئ للدين والتسلط الذكوري.

ففي تحقيق نشرته منصة أريج للصحافة الاستقصائية العربية، قال محمد حمودة وهو إمام مسجد تطوع للمشاركة في حملة توعية حول مخاطر العنف ضد المرأة، أن الله تعالى بيّن شكل العلاقة الزوجية بشكل صريح في القرآن حينما قال “وانكحوهن بالمعروف”.

وأشار أن هناك أدبيات للعلاقة الجنسية مذكرًّا بالحديث النبوي “لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول.” قيل وما الرسول يا رسول الله، قال “القبلة والكلام”، وكل ما يحصل من عنف جنسي هو مخالف للفطرة.

الاغتصاب الزوجي ودوافعه المحتملة

السادية الجنسية التي انتشرت بشكل كبير خاصة في المجتمع الشرقي لوجود كبت جنسي كبير به.

هذا إلى جانب إنتشار ظاهرة إدمان المواقع الإباحية والأفلام السادية، التي تجعل هناك ميل لدى الرجل عند مشاهدتها إلى التجربة، والحصول على الكثير من المتعة ‍في تمثيل الاغتصاب مع الزوجة، وممارسة الشذوذ و الإساءة النفسية والعاطفية معها سواء بالضرب أو الأذى أو الإهانة اللفظية. 

إثبات الذات من أحد أهم الأسباب التي تجعل الرجل يلجأ إلى العنف في التعامل مع زوجته في العلاقة الجنسية، خاصة في ظل ضغوطات الحياة التي يعاني منها المجتمع الشرقي، حيث يحاول الرجل إثبات قوته من خلال موقعه كزوج، ويعبر عن غضبه مما يحيط به من ضغوط أثناء ممارسة الجنس حتى لو كان بأفعال مرفوضة أو حتى مؤذية.

هذا إلى جانب محاولة بعض الرجال اختلاق المشاكل والشجار أثناء العلاقة ليكره الزوجة على الجنس كنوع من إثبات قوته وسيطرته على العلاقة وسلطته الزوجية، كنوع من تعويض النقص الذي يعيشه في الواقع.

الاغتصاب الزوجي قد يكون الدافع الرئيسي وراءه هو التعرض للعنف في الطفولة أو الاعتداء والتحرش الجنسي، ففي حال تعرض الرجل للعنف في صغره، خاصة من والديه أو إخوته ومعارفه، يلجأ بدون وعي منه للعنف الذي  يعتبره هو الطريقة المثلى للتعامل مع وزوجته. وهو لا يدرك الخلفيات النفسية وراء سلوكه.

خاصة في ظل مجتمع شرقي يحلل له أي شيء يفعله، فتعرض البعض للإعتداء الجنسي في الطفولة وعدم علاج آثار ذلك يجعله ميّالاً إلى سلوك عنيف بشكل عام والاغتصاب الزوجي بشل خاص كوسيلة للتنفيس عن غضب وجرح قديم. 

تعدّدت الأسباب، الجريمة يجب أن تُحارب

وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2015، 35% هي نسبة النساء اللواتي يتعرضن لاعتداء جسدي أو جنسي من الشريك الحميم في العالم. وأضرار ذلك خطيرة للغاية لذلك يجب محاربته باعتباره؛

مثل السرطان، سبب جوهري للوفاة والعجز للنساء في سن الإنجاب، وسبب أخطر يؤذي للعِلّة مقارنة بحوادث السير والملاريا معًا.

الاغتصاب الزوجي ظاهرة بلغ تفشيها في مجتمع لا يعي الضوابط الصحيحة للعلاقة الحميمة بين الزوجين. ولا يملك الثقافة الجنسية المناسبة للتعامل معها. ما ينتج عنه ضرر لكل من طرفي القصة.

الواقع المؤلم الذي حوّل كل من الرجل والمرأة إلى ضحية مجتمع جعل من الظروف الاقتصادية وغياب الدعم المجتمعي والقانوني أوصادًا تكبل العلاقة الزوجية، وتحولها إلى علاقة مسيئة في ظل خلل مجتمعي كبير يصبح كل من فيه مُدان.

شارك الموضوع
دينا الألفي

صحفية وكاتبة محتوى حر، مهتمة بالقراءة في جميع المجالات، ولكني أهتم بالأدب بشكل خاص، عملت بالكتابة لأكثر من ست سنوات، اغتنيت بأرشيف متنوع.