استحدث الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا المستجد، أنماطًا سلوكية مغايرة لما اعتاده البشر في حياتهم اليومية، خاصة فيما يتعلق بتناول الطعام، حيث برز مجددًا وبشكل ملحوظ ما يُعرف بـ”الأكل العاطفي” لدى العديد من الأشخاص خلال هذه الفترة الاستثنائية.
ويرجع هذا إلى وجود ارتباط وثيق بين “الأكل العاطفي” وبين “الحجر الصحي”، حيث يلجأ البعض إلى تناول كميات كبيرة من الطعام رغم عدم الشعور بالجوع، ومع ما يترتب على انتهاج هذا السلوك من أضرار صحية بالغة الخطورة.
ويفسر المختصون الاندفاع إلى الإفراط في تناول الطعام في الحجر الصحي، كأحد الأسباب الرامية إلى التخلص من القلق والتوتر، أو لتفريغ المشاعر السلبية بشكل عام، حيث تعد الضغوط النفسية من أهم آثار هذه المرحلة.
ارتباط السلوكات الغذائية بالحالة العاطفية
ما سبق يثبت وجود ارتباط لافت بين السلوك الغذائي وبين الحالة العاطفية، ومما يعد أكبر دليل على هذا، الأجواء التي خلقها فيروس “كورونا”، حيث اتُخذ الطعام كوسيلة دائمة للهروب المستمر من الضغوط النفسية.
كما يدعم الواقع المعاش صدق هذه النظرية من خلال الممارسات اليومية، كون تناول الطعام يتجاوز الرغبة في الشبع، أو مد الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة، إلى استهلاك الوجبات “اللذيذة” من أجل الاستمتاع.
وفي أجواء الحجر الصحي، لا غضاضة في احتلال الطعام مكانة معتبرة كأكثر الأنماط السلوكية تأثرًا، حيث يعمل الأول كمحفز لظهور المشاعر السلبية، والتي تُواجه بالتهام كميات كبيرة من الطعام على خلاف المعتاد، بحثًا عن الارتياح.
وهنا، يُعد تناول الطعام أحد روافد السعادة، حيث يتخطى كونه فعلًا ضروريًا لمد الجسم بالطاقة، إلى أداة محببة إلى النفس، من أجل الخروج من الحالة النفسية السلبية، والتنفيس عما يعانيه البعض جراء حالة الملل التي تعصف به، حتى بات البعض يُعرّفه في هذه الأثناء بـ”الأكل العاطفي”.
نعم، إن المكوث في البيت إلى فترات طويلة، ترافقًا مع الرتابة والنمطية في الممارسة الحياتية، كل هذا يوفر حالة من الملل المتعاظم، ما يدفع إلى تناول الطعام بشكل أكثر، وبكميات أكبر أيضًا، ما يكشف باطراد العلاقة بين السلوك الغذائي كنمط متغير، وبين الحالة العاطفية كأداة فاعلة ومحفز نشط في تبني سلوك معين، أو تعزيز آخر.
علامات تخبرك بأنك تتناول الطعام حسب ما تمليه عليك حالتك العاطفية
ولكن كيف أستطيع معرفة إصابتي بهذه الحالة؟ لأننا قد نجد أنفسنا في بعض الأحيان نتناول كميات كبيرة من الطعام، على الرغم من عدم حاجتنا إليها، فهل يعني هذا أننا مصابون؟، والجواب بالتأكيد لا، لأن هناك عدة أعراض توضح مدى وجود هذه الحالة التي قد تصبح مرضية أحيانًا. من بينها قد نجد الأعراض التالية:
1. شغف لتناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية مثل الحلويات والمعكرونة والفطائر.
2. تناول كميات كبيرة من الطعام في فترة زمنية قصيرة مع الشعور بعدم القدرة على التوقف.
3. اعتبار تناول الطعام بمثابة إلهاء مرحب به في واقع الحياة الصعبة، وآلية للتكيف مع الهدوء الذاتي في الأوقات غير المستقرة.
4. اشتهاء الطعام الذي يحتوي على نسبة أعلى من الدهون والسكر عند الإجهاد.
5. الشعور بالندم بعد الأكل، وعدم الراحة الجسدية، وزيادة الوزن.
من الأكثر تأثرًا.. الذكور أم الإناث؟
اضطرابات الطعام التي يُسببها الحجر الصحي، لا تتوقف في تأثيراتها على جنس واحد، أو فئة عمرية معينة وانحسارها عن أخرى، حيث يصاب بها كلٌ من الذكور والإناث على العموم.
لكن وبالرغم من هذا، نجد أن السيدات هن الأكثر تأثرًا وعرضة لاضطرابات الطعام، كما أن الأعراض عندهن أكثر حدة وفرصة للنشاط.
التفسير العلمي
يشير الطب النفسي، إلى أن اضطرابات الطعام من أكثر الإضطرابات النفسية شيوعًا بين النساء خاصة في عمر الشباب وبداية المراهقة.
بحسب الدكتور أحمد هارون، مستشار العلاج النفسي وعضو الجمعية العالمية للصحة النفسية، فإن 0.10% من السيدات يتعرضن للإصابة باضطرابات الأكل مقابل 0.2% من الرجال.
وهناك عدة أسباب، دفعت بالمرأة إلى أن تكون الأكثر تأثرًا وعرضة من الرجل لهذا النمط السلوكي، خاصة فيما يتعلق منها بالحالة النفسية، لأنها لدى المرأة شديدة الحساسية.
ويقول علم النفس، إن المرأة تتعرض لضغوط نفسية تفوق ما يتعرض له الرجل، فضلًا عن الضغوط الأخرى المترتبة على المشكلات الأسرية وتحديات المجتمع وحتى الأزمات العاطفية.
ومع رجاحة هذا الطرح المعتمد في الأساس على استقراء الواقع عبر عدة تجارب، يذهب بعض العلماء إلى تفسير زيادة تأثر النساء وعرضتهن للإصابة مقارنة بالرجل، إلى طبيعة أدمغتهن، كونها أكثر حساسية واستجابة إلى محفزات الطعام، مثل الأطعمة الدهنية والسكريات والحلوى بشكل عام.
إقرأ أيضًا
متى يصبح اضطرابًا مرضيًا؟
قد يتطور الأكل العاطفي ليصبح مرضًا يدفع بدوره إلى ضرورة اللجوء إلى الطبيب، ولكن هذه الحالة يجب أن تتوفر على عدة أعراض، منها تكرار السلوكيات غير المعتادة لتناول الطعام، والتي تترافق مع فترة الحجر الصحي، حيث إن تغير السلوك أو التحرر من القيود على فترات متباعدة لا يعد مشكلة.
منها أيضًا العجز عن السيطرة على الأنماط الغذائية، واستمرار هذه الحالة لفترة طويلة مع بذل عدة محاولات من أجل إعادة الأمور إلى نصابها.
ويذهب البعض كذلك إلى اعتبار التوجه إلى الطبيب ضروة في حال ترجيح شعور الشخص بمتاعب صحية آخذة في التطور.
قبل أن تتفاقم الأمور… كيف يمكن السيطرة على مشكلة الأكل العاطفي!
1. اتخذ قرارات واعية بشأن أكلك ، وتجنب المحفزات قدر الإمكان، اختر عمدًا ما سوف تأكله ومتى، تحدى نفسك للتأقلم مع تلك المشاعر السلبية التي قد تواجهها بعيدًا عن الطعام.
2. التعرف على دوافعك للأكل القائم على العاطفة، كن واضحًا بشأن الوقت الذي من المرجح أن ترغب في تناوله أكثر أو أقل، قد يكون هذا أي شيء بدءًا من اللحظات التي يمر فيها طفلك بنوبة غضب أثناء برنامج التعليم المنزلي الجديد الخاص بك إلى الرغبة في الخصوصية في بيئة تباعد اجتماعي لا تتيح لك مشاهدة الكثير من القصص الإخبارية المزعجة.
3. احصل على الدعم الاجتماعي مع تجنب التعرض للمواد المثيرة، فمعظمنا معزول تمامًا عن روتيننا المعتاد ومجتمعاتنا وشبكاتنا الاجتماعية في الوقت الحالي، ومع ذلك، فإن البشر كائنات اجتماعية للغاية، والترابط الاجتماعي هو الطريقة الأساسية التي نتعامل بها مع التوتر والصعوبات نحن بحاجة إلى البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة والمجتمع الأوسع.
4. ابدأ من جديد، كل لحظة من كل يوم، إذا كانت لديك لحظة أو يوم عصيب ولم تعجبك الطريقة التي شعرت بها أو أكلت فابدأ من جديد، يمكنك دائمًا البدء في تناول الطعام بشكل مختلف في هذه اللحظة بالضبط.
5. اسأل نفسك أسئلة مثل: كيف حالك؟ متى تشعر بالتوتر الشديد؟ ما هو أكثر شيء يقلقك في حياتك اليوم؟ كيف تؤثر مشاعرك عليك وعلى تجربتك في الحياة الآن؟
6. إعداد قائمة بالأطعمة التي تناولتها على مدار اليوم، ومطالعتها عند الرغبة في الطعام، وفي حالة عدم القدرة على السيطرة، يمكن تناول أطعمة لا تحتوي على سعرات حرارية.
7. التخفيف من حدّة التفكير السلبي عن طريق تدوين المشاعر التي يمر بها الإنسان في دفتر أو ورقة.
8. ممارسة التمارين الرياضية داخل المنزل، كون حركة الجسم تقلل من مستوى المشاعر السلبية.