الحجر الصحي الذي شهده العالم المصاحب لتفشي وباء كورونا منذ بداية عام 2020 يعد تجربة مرهقة بشكل كبير للآباء الذين يجب عليهم الموازنة بين الحياة الشخصية والعمل والتربية وبشكل خاص أثّر سلبيًّا على نفسية الأطفال.
بالطبع هذا الوضع المليء بالتوتر والضيق والخوف قد يؤثر بشكل كبير وخطير على نفسية الأطفال وكذلك لآباء وبالتالي يؤثر بشكل سلبي على قدرتهم كداعمين أساسيين للأطفال.
نقص الدعم الذي يتلقاه هؤلاء الصغار في مثل هذه اللحظة الصعبة هو السبب وراء ظهور أعراض نفسية خطيرة سواء كانت واضحة أم لا.
الحجر الصحي لن يحمي أطفالك بشكل كامل
بناءا على الاستطلاعات والأبحاث الأخيرة التي أجرتها منظمة Save the Children لأكثر من 6000 طفل في الولايات المتحدة وألمانيا وفنلندا وإسبانيا والمملكة المتحدة، أثبتت أن حوالي 65 % من الأطفال عانوا من الضيق والاكتئاب ومشاعر العزلة.
خاصة مع إنقطاع الأمل ونظرة الآباء التشاؤمية بشأن إنتهاء هذه الأزمة العالمية.

شهدنا في الأشهر الأخيرة بدء العديد من البلدان تدريجيًا في رفع الحجر ولكن تظل العديد من المدارس مغلقة مما يؤثر على ما يقرب من 1.3 مليار طفل وطالب في جميع أنحاء العالم.
كل الخوف هنا على هؤلاء الذين يعيشون في بيئات منزلية صعبة كالفقر ونقص الإحتياجات الضرورية أو الأطفال الذين يفتقرون إلى الدعم الاجتماعي فهم معرضين للخطر بشكل خاص.
ومن المرجح أن تظل القيود الاجتماعية الصارمة سارية في جميع أنحاء العالم.
مقال آخر قد ينال اهتمامك
هل المرونة التي يمتلكها الأطفال كافية للتأقلم مع الحجر الصحي؟
الأطفال يحتاجون دائما للحركة واللهو في الهواء الطلق والشعور بالحرية وعدم التقيد، وتعرضهم لفترة طويلة للإجهاد والملل والعزلة الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى تدهور نفسية الأطفال وإصابتهم بالقلق والاكتئاب.
وهذا ما أكدته آن صوفي ديبدال كبيرة مستشاري حماية الطفل في وحدة الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي في منظمة إنقاذ الطفولة حين قالت:
الأشخاص الذين يتواجدون في الخارج بانتظام لديهم نشاط أقل في جزء الدماغ الذي يركز على المشاعر السلبية المتكررة
وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الأطفال ينزلقون إلى المشاعر السلبية والاكتئاب وتدهور صحتهم العقلية والنفسية خلال الحجر الصحي.
وقالت ماري داهل رئيسة وحدة الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي التابعة لمنظمة إنقاذ الطفولة: “في حين أن الأطفال يتمتعون بالمرونة، لكن لا يمكننا التقليل من تأثير الوباء على صحتهم العقلية وصحتهم العامة”.
فمن المرجح أن يكون أداء الأطفال في بيئة مستقرة أفضل، لكن العديد من الأطفال ليسوا محظوظين. أولئك الذين يعيشون في الفقر.
أو الذين يعانون من العنف في المنزل، أو المعرضين للخطر بطريقة أخرى يمكن أن يتم دفعهم إلى حافة الهاوية من خلال عمليات الإغلاق لفترة طويلة.
في أسوأ الحالات إذا تركوا دون معالجة، فقد يتصاعد هذا إلى الاكتئاب ومخاوف أخرى تتعلق بالصحة العقلية.
يمكن رؤية تأثيرات الصحة العقلية لـ COVID-19 أبعد من عمر الوباء.

ما الذي يمكن فعله للتخفيف من عواقب الحجر الصحي على نفسية الأطفال
نفسية الأطفال وصحتهم العقلية أمر غاية في الأهمية، ولا يمكننا التغاضي عن حقيقة أن الحجر الصحي إجراء ضروري في ظل إنتشار الأمراض المعدية والخطيرة، ولكنه مصاحب بتأثير نفسي سلبي على الأفراد وخاصة الأطفال كما أوضحت الدراسات السابقة الذكر.
والذي يمكن اكتشافه بعد شهور أو حتى سنوات من إنتهاء الوباء. لذلك علينا اتخاذ تدابير فعالة كجزء من عملية تخفيف أثر الحجر الصحي على صحة أطفالنا.
مقاومة الإحباط والملل
أمر طبيعي أن يسبب الحبس في المنزل لفترة طويلة وفقدان الروتين المعتاد وتقليل الاتصال الاجتماعي والجسدي مع الآخرين الملل والإحباط والشعور بالعزلة والذي يؤثر بشكل كبير على الأطفال.
وهنا يأتي دور الآباء في خلق بيئة نشطة لمقاومة الإحباط واليأس المحتمل إصابة الأطفال به، من خلال البحث عن طرق وحيل للقيام بأنشطة تعليمية وترفيهية داخل المنزل خاصة في ظل تأجيل عودة الدراسة.
ولا مانع من استخدام الفكاهة والضحك مع الأطفال فأنه عنصر معزز للتغلب على الملل والروتين داخل المنزل، كذلك تنشيط مشاعر الرفاهية والمتعة، وهو أمر ضروري للغاية في الوقت الحالي.
تحسين التواصل
غالبًا ما كان الآباء يرفضون طلب أطفالهم في امتلاك هاتف أو حتى الإنخراط في عالم السوشيال ميديا حتى يصلوا لسن معين ولكن الآن وفي ظل هذه الظروف الحرجة أصبح امتلاك هاتف محمول ضرورة وليست رفاهية.
فقدرة الأطفال على التواصل مع العائلة والأصدقاء ضروري لتقليل مشاعر الذعر والإحباط المسيطر عليهم، ولكن ينبغي أن يكون ذلك تحت مراقبة البالغين.
متابعة التغيرات النفسية والسلوكية
بعض من التأثيرات النفسية الناتجة عن الحجر الصحي وسلبياته قد لا تكون ملحوظة لفترات طويلة إلا أن وضعت آليات للكشف المبكر عن العلامات مثل التغيرات المفاجئة في السلوك، فرط الحركة غير المعتاد، أو الحزن المستمر غير المعتاد، أو القلق المفرط أو قلة التركيز أو صعوبة النوم والإرهاق.
وهذا ما قد يشير إلى مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب لدى الأطفال، فاكتشاف هذه التغيرات بشكل واعي ومبكر سيسهل رحلة طويلة وشاقة من العلاج النفسي.
خلق مساحة للتعبير عن مشاعرهم
المشاعر مثل الإرهاق والقلق والإحباط طبيعية ومتوقعة خلال هذه الفترة. نتيجة لذلك يمكن أن تنشأ مشاعر لم يسبق لها وجود لدى الأطفال الصغار كالتهيج واللامبالاة والعصبية مما يؤدي إلى سلوكيات مثل الأرق وضعف التركيز ونقص الأداء الأكاديمي ورفض المهام التي تتطلب جهدًا معرفيًا.
يجب على الآباء قبول هذه المشاعر والسماح لأطفالهم بالتعبير عن أفكارهم وما يشعرون لمساعدتهم على التعامل مع هذه السلوكيات.
كما يجب على الآباء التعرف على هذه المشاعر عند الأطفال، ومساعدتهم على التعبير عنها بالكلمات وتهدئة مخاوفهم بمعلومات دقيقة تتكيف مع أعمارهم.
تحفيز العمل الجماعي
تحفيز العمل الجماعي قد تكون له فوائد هائلة في هذه الأوضاع، مثل إشراكهم في الأعمال المنزلية، خاصة تلك التي تنطوي على الحركة والمرح.
دعهم يجدون القدرة على الشعور بأنهم مفيدون بجهدهم وعملهم، وأنهم جزء أساسي من أسرتهم، سيساعد هذا بشكل كبير في تحفيز مفهوم الذات لدى الأطفال.
آثار الحجر الصحي النفسية على الأطفال بشكل خاص، ليست بالهينة إذا ما تعاملنا معها بشكل واعي وسريع في حالة إكتشاف أي خلل.
لذلك على مقدمي الرعاية أن يتعاملوا مع الوضع بعناية شديدة لضمان الخروج من هذه الفترة بأقل الخسائر النفسية والجسدية الممكنة للأطفال.
يجب أن تؤخذ نفسية الأطفال خلال سن السياسات واتخاذ القرارات المتعلقة بمصالح الناس وبالأخص الفئات الأكثر تأثرًا كالأطفال بسبب خطورة الآثار التي يسببها الإغلاق على الصحة النفسية والعقلية.