ليلى عجاوي فنانة جرافيتي تتخذ من الألوان وجدران الشوارع منصّات للتعبير الحر عن الهوية والجذور، عن الظلم وقمع الحقوق. يبدو أن اللاجئة الفلسطينية بالأردن والمتمسكّة بجذورها منغمسة أيضًا في ثقافة بلد تربّت ودرست به، لم تخطّط عن سبق إصرار وترصد أن تكون ناشطة ومدافعة عن حقوق المرأة من خلال جداريات الجرافيتي.
بل جاءت النزعة بشكل طبيعي مع كلّ ولادة لرسمة جديدة على جدران الشوارع، فالفنان قبل أن يكون ابن بيئته هو ابن تجاربه، وليلى فنانة تخلق الفن الذي انصهر مع قصتها التي تتقاطع مع قصص أكثر من مليون لاجئ فلسطيني بالأردن، وكذلك مع ملايين الشابات في المجتمعات العربية المحافظة.
حيث تجتمع في مزيج غريب القوة والضعف، وحيث تدفع الحرية المسلوبة والرغبة الملحّة في الانعتاق لتخليق أشكال متنوّعة من التعبير عن الذات والتجربة الإنسانية ككلّ من خلال الفنون كنوع لا يُقهر من أنواع المُقاومة.
ظهرت أعمال ليلى عجاوي وكان الحديث عنها في العديد من المجلات والصحف الدولية نظرًا للعمق والجمالية الفنيّة والرسالة الإنسانية التي تقدمّها معظم أعمالها، وهي متعدّدة المواهب أيضًا، فإضافة إلى اشتغالها على جداريات الجرافيتي، فهي ترسم شخصيات القصص المصورة (الكوميكس) أيضًا.
سعدنا بعمل هذا اللقاء الحواري الثريّ مع ليلى عجاوي حيث كانت هذه تفاصيل الأسئلة التي طرحناها عليها وأجابت عليها مشكورة.
كيف تكوّن لديك شغف بفن الجرافيتي بالرغم من تخصّصك الأكاديمي في الفيزياء وكيف كانت تجاربك الفنيّة في البداية؟
الموهبة الفنيّة كانت حاضرة منذ الطفولة المبكرة و توازت مع حياتي العامة وحبي للعلوم.
في الثانوية تخصصت في الفرع العلمي، أما عن خياراتي الجامعية فلم تكن متاحة جميعها بسبب الأوضاع المادية التي حالت بيني وبين تخصصات الفنون المتنوعة.
ومنها التصميم الثلاثي الأبعاد الذي كان يُدرّس في جامعة خاصة في حينها وكانت مكلفة جدًا، فاخترت الفيزياء الطبية الحيوية في جامعة حكومية بالتحديد لأنها تجمع عدة تخصصات معًا منها الأحياء وبعض مواد الحاسوب والكيمياء.
في بدايات الفترة الجامعية، انتسبت إلى النشاط الطلابي المخصص للمواهب الفنية مثل الرسم والنحت والفسيفساء، وهو ما ساعدني على تجربة خامات متنوعة.
وكنت أستعين بالمكتبة الحسينية في جامعة اليرموك في إثراء معلوماتي الفنية والتدرب لساعات على رسم الشخصيات الكرتونية (التي أصبحت عملي الحالي الحر بالمناسبة) وتعلم بعض الأساسيات الأكاديمية للفنون.
وساعدني إتقاني للغة الإنجليزية جدًا، لأن معظم المراجع كانت أجنبية، الأمر الذي أثرى موهبتي بشكل ملحوظ، كما استفدت من وجود كلية للفنون الجميلة باستشارة أساتذة منهم حول توجهي الفني وتقييمي.
بدأت العمل الفعلي على الجداريات الصغيرة داخل المدارس والحضانات كمصروف إضافي خلال فترة الجامعة وبعض التطوعات في أماكن متفرقة.
ومن حينها اتسعت الرقعة إلى أن أقدمت في عام 2014 في أحداث الحرب على غزة على الرسم في الشارع لأول مرة، رسمت عمل فني تضامني مع المقاومة الفلسطينية آنذاك، وكانت التجربة ممتعة وجديدة كليًا.
كنت أراقب العمل باستمرار وتفاعل الناس معه، وأتذكر أن إضافة اسمي كان شيء جديد كليًا! وتحديدًا للأطفال الذكور الذين أشاروا إلى إخوتي الذكور بأنهم أصبحوا يعرفون اسم أختهم!
وهذه كانت المواجهة الأولى في موضوع هيمنة الذكور على الشارع، والدي أخبرهم بأني فنانة، وبأنه لا عيب أن يعرف الناس اسمي وكان مشجعًا لي.
كيف أثّر فن الجرافيتي على حياتك الشخصية والعائلية، وهل وجدت الدعم الكافي من الأسرة والمقرّبين؟
الجرافيتي تحوّل إلى شغف جديد ـ يُنعش الروح بشكل غريب، تجربة استثنائية في اندماج الطاقة، أثّر على حياتي الشخصية بأن منحني أجنحة إن جاز التعبير.
تحوّل إلى مصدر دخل ثانوي لاحقًا ـ مما يعني اعتمادي الكلّي على نفسي ماديًا، أعتبر عدم المنع واستعمال السلطة علي لإيقافي لوحده دعم.
أهلي لم يكونوا من الأهل الذين يفرضون رؤيتهم الشخصية على بناتهم وأبنائهم، يرغبون بتفوقنا بالتأكيد وتميزنا، احترامهم لخياراتي وطريقي أمرٌ أنا ممتنة لهم عليه، لم يتوقفوا بطريقي أبدًا وهذا ما سأفعله مع ابني إن شاء الله.
أما عن الزواج، كانت الجدارية الأولى الضخمة التي أدخلتني في هذا المجال بقوة وهي ضمن فعالية (ست الحيطة).
كانت هي السبب في معرفتي بزوجي الذي أُعجب بأعمالي وكان داعمًا لي.
بالتأكيد لا يخلو الأمر من بعض المحطات التي أقدمت فيها على اختيار العائلة أمام الموهبة في بعض الفرص التي استدعت السفر للخارج على سبيل المثال لفترات طويلة، أو الفرص التي تطلبت غيابي بشكل ملحوظ عن طفلي، هنا اخترت بكامل إرادتي العدول عنها، فالأمومة مسؤولية عظيمة جدًا وفيها تتراجع الأنا بالإضافة إلى مسؤلية الزواج.
كما أن للمجتمع الشرقي عاداته ورغباته التي لا تنعدم، فكان طرحي للقضايا دائمًا ضمن إطار مجتمعي (صديق) وكنت أعمد على فتح النقاشات سواءً مع العائلة أو السوشال ميديا حول الأفكار التي أطرحها.
لم يخلو الأمر من انتقادات لاذعة بسبب تعارضها مع بعض الأفكار لبعض الأشخاص في الشارع، حدثت معي بعض المواقف المحبطة بالتأكيد، لكنها تمنحني قوة أكبر للمواصلة.
كما أن تأثير آراء الناس على حياتي شبه معدوم، وهذا راجع للتربية في الصغر (لا مكان لـ “ماذا سيقول الناس!”.
لكن يوجد أسئلة أهم؛ ‘هل يتعارض دينيًا مع الشريعة الإسلامية؟’، الوسطية – أنا من عائلة محافظة وليست متشددة، ‘هل أنا مقتنعة به وأؤمن به ؟’، وهذا كله نابع من قناعاتي بالنهاية وليس ما يظنه الآخرون.
تتناول جدارياتكِ قضايا المرأة وحقوق الإنسان وهي قضايا مُرتبطة أيضًا بهويتك الثقافية وجذورك الفلسطينية ومنشأكِ في مخيم إربد بالأردن، كيف ساهمت خلفيتك الشخصية في تشكيل نوعية رسوماتك والثيمات التي تعالجها أعمالك؟
عشت كل حياتي في مخيم إربد، ضمن أوضاع مادية سيئة، وشهدت على كفاح والداي في مسيرتهما في تأمين حياة كريمة لنا وحرصهما على تلقينا التعليم كأولوية عن أي شيء.
تجربة الحياة في المخيم مختلفة تمامًا عن خارجه، والبذرة التي زرعاها والدايّ بداخلي وهي تحمل المسؤولية والاعتماد على الذات وتأكيد الهوية، ساهمت بصقل شخصيتي الأمر الذي انعكس على فكري عبر اللوحات التي طرحت فيها قضايا أؤمن بها شخصيًا.
وأهمها بنظري كان التعليم، لما له قدرة على تمكين المرأة في مجتمعنا، والهوية الفلسطينية أمر آخر بالنسبة لأبناء المخيمات، يولد معنا ومن المستحيل أن أقف دون حراك، بينما أرى معاناة شعبي وأرى هويتي ُتطمس خصوصًا للأجيال الحديثة.
حدّثينا عن الفعاليات الفنيّة الرسمية والمعارض والأنشطة التي شاركتِ فيها إلى حدود الساعة؟
03/2013؛ بداية مع معرضي الفني الشخصي في جامعتي.
10/2014؛ المشاركة مع فعالية (ست الحيطة) الإقليمية في عمان برفقة فنانين من الوطن العربي وخارجه في مبادرة (كسر حاجز الصمت) التي تناولت قضايا المرأة بشكل خاص.
03/2015؛ مشاركتي في مؤتمر حقوقي للنساء العاملات في تونس ممثلة عن منظمة (ست الحيطة Woman on walls) السويدية/مصرية المنشأ بدعوة من اتحاد النقابات العمالية في الأردن وفيه وضحت دور الفن في نشر قضايا توعوية تتعلق بالنساء، وشاركت تجربتي.
04/2015؛ شاركت مع منظمة (ست الحيطة) في مصر ضمن مهرجان فني إقليمي أيضًا، برفقة فنانات وفنانين من الوطن العربي وخارجه وكانت نسبة المشاركة النسوية أعلى، تحت اسم (كسر القيود) لتناول قضايا نسوية.
2015؛ شاركت كمتحدثة تحفيزية عبر سكايب ضمن فعالية خاصة بمدرسة بنات في بوسطن بأمريكا.
2015؛ مقابلتي مع مجلة كوزموبوليتان الأمريكية الشهيرة.
2016؛ حصلت على دعوة إقامة فنية في سان فرانسيسكو – أمريكا.
2018؛ شاركت ضمن فعالية للمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة عبر رسم مباشر للجرافيتي.
خلال تلك السنوات وحتى اللحظة، عملت بشكل حر على أعمال جرافيتي وجداريات تتعلق بقضايا تسلط الضوء على قضايا مجتمعية متنوعة وعملت ضمن المشاريع التجارية وتطوعات شخصية.
هل لديكِ أي تواصل مباشر أو تعاون ما مع فناني أو فنانات جرافيتي آخرين من العالم العربي أو دول أجنية؟
نعم العديد منهم عرب وأجانب وكانت هذه التجربة مميزة أيضًا.
الحوار مع فنان آخر والتعرف على الأنواع المختلفة من الفنون والشخصيات أمر ممتع ويُوسّع الآفاق كثيرًا، كما ومشاركة الفرص الإقليمية والعالمية أحيانًا.
بما أن الجداريات الخاصة بك تتواجد في أماكن عمومية، أخبرينا كيف تتعاملين مع حقوق الملكية الفكرية والمشاكل المُتعلّقة بها؟
الملكية الفكرية تعاني من بعض التهميش في بلدي، والشكل الوحيد لإثباتها هو عبر التقاط الصور وتوثيقها، لكن بشكل قانوني لا يوجد ما يحمي الفنانين أو المصورين من السرقة الفكرية، وهناك تداعيات طويلة من الناحية القانونية.
في ظلّ الثورة التكنولوجية الحالية، كلّ شيء في واقعنا يتحوّل إلى العالم الافتراضي، حتّى الإنتاجات الفنيّة كاللوحات والرسومات، هل فكّرت بإنشاء معارض رقمية تُمكّنك من الوصول إلى جمهور أكبر؟
العالم الافتراضي جزء لا يتجزأ من عالمنا الواقعي وتوثيق الجداريات والرسومات عبره أمر في غاية الأهمية، لأن الجمهور مفتوح إن جاز التعبير، وإمكانية انتشار العمل رقميًا متاحة بشكل أكبر، مما يعني طرح أوسع للأفكار واستقبال لوجهات النظر كما الفرص المتاحة والأشخاص المهتمين.
تحدّثتي في إحدى منشوراتك على صفحتك على الفيسبوك عن فكرة التكامل ما بين دور المرأة والرجل في بناء المجتمع، كيف تنوين تناول هذا المفهوم المُهم من خلال أعمالك القادمة خاصة وأن غالب جدارياتك تقدم شخصيات نسائية فقط؟
طرحت وضمن جداريات ضخمة التكامل، وصوّرت كلا الجنسين لتحقيق التوازن بالطرح عبر تنويع الأدوار.
والجداريات التي صَوّرت أنثى فقط كانت متعلقة ضمن قضية تخص النساء على وجه الخصوص، أما عن نفسي وعن أفكاري وأعمالي الشخصية، فأنا أستعمل كلا الجنسين في التعبير عنها، لكن أميل للأنثى أكثر لأنها انعكاس لي أنا كأنثى.
وأؤكد على ضرورة إشراك الرجل وتصويره بالصورة الإيجابية، فحتى الذكور في عالمنا العربي يعانون من تهميش في نواحي مختلفة ولديهم صورة نمطية غير جيّدة.
في الحقيقة، حقوق الإنسان الأساسية تعاني تهميش في عدة مناطق من وطننا العربي!
فالتمكين لا يقتصر على النساء فقط.
كما أن وجود المرأة بشكل عام في الجرافيتي (عالميًا) مرتكز على تصوير المرأة بشكل نمطي مبتذل في بعض الأحيان، وهو من أهم الأمور التي أحاربها عبر أعمالي، كسر الصورة النمطية والتسليع الجنسي المرتبط بصورة الأنثى بشكل خاص.
لذلك رسم أنثى بملامح محلية طبيعية مفعمة بالقوة والأمان هو صورة أريد عكسها على الفتيات الأمر الذي تؤكده رسائلهن لي.
وليس الفتيات العربيات فحسب بل حتى الأجنبيات من بلدان مختلفة، تأثير الجدارية يمتد عبر صورها وهذا ما كنت أعنيه بالجمهور المفتوح في إجابتي على السؤال السابق.
هل تعتقدين أن الجرافيتي والرسم عمومًا موهبة فطرية أو مكتسبة؟ وما هي نصائحك لكلّ فتاة أو سيدة عربية تريد خوض التجربة سواء لها أو لتعليم أطفالها؟
الحوار ما بين الموهبة الفطرية والمكتسبة قد يطول، لكن بنظري أرى الموهبة الفطرية تساهم في تسريع التطور واستكشاف آفاق كما أنها قد تتراجع أو تقف عند حد معين إذا لم يتم تطويرها.
شخصيًا، أرى بأن كل شخص موهوب بشكل فطري، لكن يحتاج التجربة لاستكشاف هذا الميول وهذه الموهبة، التجارب ثم التجارب هي نصيحتي الأهم في هذا المجال وغيره.
لدي مواهب عديدة غير الفنون وكلها نابعة من التجربة، الإصرار وحب الشيء المُراد تعلّمه تعطيك الإمكانية لاكتسابه أسرع.
بالنسبة للأطفال، من منظوري كأم، أرى بأن عالم الفن بشكل خاص بوفّر تجارب حسية غنية جدًا للتعلم واستكشاف وسائط مختلفة في التعبير، كما أن التعبير والقدرة عليه من شأنها توفير الهدوء النفسي أو العلاج بالفن كمصطلح أكثر تخصصًا.
فدمج الفنون في عالم الطفولة ضروري جدًا، لكن لا يعني بالضرورة بأن الطفل سيكون فنانًا، قد يختار تخصصًا أو شغفًا مختلفًا، لذلك أرفض وضع الأطفال ضمن قواعد الفن الأساسية أو إجبارهم على السير فيه نظرًا لتجاربهم الأولى، حرية الاختيار واحترام خياراتهم هي ما أؤمن به.
ما هي مشاريعك المستقبلية وطموحاتك الشخصية التي ترغبين بمُشاركتها مع قرّاء المجلة؟
أرغب بالاستمرار والحصول على دعم فني أكبر فيما يتعلق بالجداريات، بالإضافة إلى نشر روايتي والقصص المصورة التي أعمل عليها حاليًا، وعمل تطوعات فردية لأنشطة فنية للأطفال في المناطق الفقيرة والأقل حظًا.
وأسعى إلى أن يكون لدي دخل جيد من موهبتي دون الحاجة إلى العمل داخل شركة أو منظمة لساعات طويلة.
أما على الصعيد الشخصي فأطمح إلى توفير حياة سعيدة متكاملة رفقة زوجي في الحصول على حياة كريمة لابننا، ولدي رغبة في احتضان طفل لأني أشجع على الاحتضان للعائلات المقتدرة.