تتعدّد النماذج المُشرّفة للمرأة العربية في جميع بقاع العالم وفي كافة المجالات، ومن المهم جدًا أن يرى الناس ‘النور’ الذي تصنعه كلّ الرياديات، القائدات، المُبادرات والمُستكشِفات…كلّ واحدة في مجال تخصّصها لكون ذلك يستطيع أن يُحدث تغييرًا تدريجيًا في النظرة النمطية للأدوار الجندرية التي تلعبها المرأة في مجتمعاتنا.
كما من شأنه أن يفتح أبوابًا من الأمل ويمنح الثقة للفتيات الصغيرات واليافعات صاحبات الرؤى المستقبلية الواعدة. لذلك، نهتمّ جدًا في عَشْتَار المجلة بنقل التجارب الحقيقية عن قرب، للنور الذي تصنعه نماذج بارزة لسيدات يفخر بهن كلّ عربي وعربية.
سعدنا بعمل هذا اللقاء مع فاطمة الملا وهي باحثة إماراتية وطالبة دكتوراه في مجال لم يكن معروفًا إلا للقلّة من الناس وهو مجال الهندسة البيوكيميائية، حيث ساهمت جائحة كورونا والضرورة المُلحة لتصنيع لقاحات في تسليط الضوء على نوعية الأبحاث التي تقوم بها فاطمة الملا مع فريقها في جامعة UCL بالمملكة المتحدة.
فاطمة الملا تحمل رؤية ذات أبعاد ثورية في مجال الفيروسات التي أصبحت تشكّل الجزء الأكبر من عالمنا اليوم، وهذه تفاصيل حديثنا مع فاطمة عن أبحاثها، إنجازاتها وعن تجربتها ووجودها في بريطانيا من أجل التحقيق والإنجاز العلمي.
فاطمة، أنت باحثة وأكاديمية إماراتية مبتعثة في بريطانيا في مجال الهندسة البيوكيميائية، حدثينا عن هذا التخصص غير المعروف لدى الكثير من الناس وأخبرينا كيف برزت أهميته خلال جائحة كورونا؟
بداية، أنا خريجة مجال التقنيات الحيوية من جامعة الشارقة وأكملت ماجستير في نفس التخصص في جامعة غلاسكو باسكتلندا، أردت أن أتخصص في مجال مختلف وهو الهندسة البيوكيميائية حتى أتمكن من التخصص في واحد من البحوث المطروحة من قبل القسم في تطوير لقاح بلازميد الحمض الوراثي.
تطبيقات الهندسة البيوكيميائية هي تطبيقات علوم الهندسة، علوم الكيمياء والأحياء على تطوير منتجات طبية وأدوية معينة في مجال صناعة الأدوية biopharmaceutical industry وهو دمج للتقنيات الحيوية biology مع مجالات تصنيع الأدوية من أجل تطبيق الكائنات الحية واستخراج واستخلاص المنتجات الطبية منها، إن كانت بروتينات أو DNA، ممكن أن تستخدم في عملية تصنيع الأدوية أو اللقاحات.
مجال تطوير بلازميد الحمض الوراثي لم يكن معروف للناس إلا بعد جائحة كورونا لأن اللقاحات الجينية بشكل عام تعتبر حديثة، وأنا واحدة من الأشخاص الذين يقومون بعمل أبحاث عليها ضمن فريق من الباحثين في جامعة UC بلندن، حيث كانوا يشتغلون عليها قبلي بعشر سنوات.
لكن اللقاحات الجينية لم تُصرح للاستخدام على البشر بعد وهي صُرحت للاستخدام الطارئ فقط في جائحة كورونا فالناس لا يعرفون عنها إلّا الآن مع وضع كورونا. أساسًا أول لقاح صُرح للاستخدام هو فايزر Pfizer وهو لقاح جيني لقاح mRNA.
فالناس بدأت تقرأ وتفهم عنها، فهي لقاحات جيدة وممتازة وتعتبر آمنة وسهلة الاستخدام وسهلة التطوير، تكلفتها أقل وعملية تخزينها أسهل وبذلك توفيرها يكون أيسر للناس.
يتمحور بحثك العلمي حول لقاح بلازميد الحمض الوراثي، أخبرينا عن الآفاق التي يفتحها تطوير هذا اللقاح في مجال صناعة الأدوية وما هي آخر المستجدات التي توصلت لها بخصوص استكمال تطويره وإنتاجه مع العلم أن تكلفة مشروع كهذا باهظة جدًا؟
اللقاحات الجينية وُجدت لنظرية تقول بأن اللقاحات الجينية أكثر أمنًا من اللقاحات الفيروسية على اعتبار أنها لا تحتوي على مكونات الفيروس وهي جيدة الكفاءة و سهلة في عملية التصنيع والإنتاج. المشكلة مع اللقاحات الجينية أنه لتتم الموافقة عليها من طرف المنظمة العالمية للصحة يجب أن توافق معايير صارمة.
مثلًا بالنسبة لبلازميد الحمض الذي أشتغل عليه، هناك شيء يسمى yield وهي الكمية التي يتم به إنتاج هذا المركب، و بيوريتي purity أي نسبة النقاوة أو بتعبير آخر Supercoiling percentage. حيث من الضروري أن تكون نسبة النقاوة أكثر من 80 بالمائة ونسبة Yield عالية جدًا،.
كذلك يجب أن أُثبت أن الطريقة التي يتم بها تطوير اللقاح في المختبر قابلة للتوسيع والتطوير بالمقارنة مع شركات صناعة الأدوية الكبرى بحيث يمكن لهذه العملية المختبرية التي قمت بتطويرها أن يتم تطبيقها في المصانع.
استطعت في السنة الأولى تطوير اللقاح بنسبة نقاوة تصل إلى أكثر من 80 بالمائة وهي نقطة مهمة في إثبات أن هذا اللقاح يمكن تطويره بنسبة نقاوة عالية جدًا وكفاءة كبيرة.
من جانب آخر، لتصنيع هذا النوع من اللقاحات، حيث أن البلازميد يعتبر مادة حسّاسة جدًا وتتعرّض للضرر أثناء العمليات البيوكيميائية Upstream and Downstream processing لذلك يجب استخلاص هذا البلازميد باستخدام مُفاعل حيوي خاص وحاليًا أنا أعمل على تطويره.
ما هو الفرق بين اللقاح الفيروسي ولقاح بلازميد الحمض الوراثي الذي عملت على تطويره؟
اللقاحات الفيروسية تحتوي على الفيروس مضعّف أو مقتول أو جزء منه، اللقاحات الجينية هي عبارة عن بلازميد الحمض الوراثي؛ حيث يتمّ الاحتفاظ بالجين أو المعلومات الوراثية في البلازميد DNA أو mRNA وهو عبارة عن جزيء من الحمض النووي- Single-Stranded DNA، أما بلازميد DNA فهو double stranded، يتم الاحتفاظ بالمعلومات الوراثية فيها أي جين معيّن.
عندما يدخل هذا الجين إلى الجسم يتم تحويله إلى بروتين سبايك Spike protein وهو موجود على غلاف فيروس كورونا، وسواء كان دخل الفيروس مضعّف أو مقتول أو جزء منه أو بروتين سبايك، يتم توليد ردة فعل مناعية في الجسم بأن الجسم يتوهّم بأن الفيروس دخل فيقوم بتوليد أجسام مضادة له يُحتفظ بها في ذاكرة الخلية.
وفي المستقبل حين تكون هناك إصابة حقيقية بالفيروس الحقيقي يتجاوب الجسم بتنشيط وإنتاج هذه الأجسام المضادة قبل أن يُصبح المرض أكثر خطورة.
كيف كانت تجربة فراق الأهل والوطن من أجل تحصيل العلم وخدمة الإنسانية؟
تجربة صعبة بالتأكيد ولكن للضرورة أحكام، فقيود الحظر فُرضت على العالم بأجمعه وليس فقط المملكة المتحدة، الكثير من الناس فارقوا أهلهم وأحبابهم لمدة طويلة، أنا تمكنت من الرجوع في بداية الأزمة، هناك أشخاص لم يتمكنوا من رؤية أهاليهم منذ بداية جائحة كورونا إلى اليوم.
الحمد لله أنا على الأقل أتاحت لي دولة الإمارات الفرصة حيث وفرّت لنا الإجلاء وكلّ الدعم لنعود في فترة الوباء وبعد ذلك طلبت موافقة لظروف استثنائية حتى أرجع وأستكمل أبحاثي.
فاطمة، أنت طالبة متفوقة، فقد حصلت على شهادة بكالوريوس التقنيات الحيوية بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة الشارقة وشهادتي ماجستير في إدارة الأعمال والتقنيات الحيوية من جامعة جلاسكو ببريطانيا بدرجة امتياز، هل نستطيع أن نقول أن مسارك الدراسي والأكاديمي المميز وإنجازاتك إلى حدود الساعة، – حيث نتمنى لكِ المزيد من النجاح – …يضعانكِ على عتبات ريادة الأعمال؟
أُنعمت من طرف قيادتنا وحكومتنا الرشيدة بأن يتم دعمي طوال مراحلي الدراسية كلها من منحة داخلية في دولة الإمارات إلى منحة خارجية في اسكتلندا إلى منحة الدكتوراه في لندن، الحمد كان دعمًا مستمرًا.
شجعني هذا الدعم من بلادي وأهلي على أن أواصل مسيرتي التعليمية، وإن شاء الله يقدرني أن أرد الجميل للوطن بأن أرجع وأعمل لأرفع رؤوس وأبيّض وجوه حكومتنا وقادتنا الذين وضعوا فيّ هذه الثقة، فإن شاء الله أعود لخدمة الوطن.
حدثينا عن جائزة سيدتي للتميز والإبداع لسنة 2019 وكيف كان شعورك حين تمّ اختيارك؟
مجلة سيدتي مجلّة رائعة وراقية وتحتفي دائمًا بالمرأة، وجميل أن يتمّ الاحتفاء بالمرأة العربية في كل زمان ومكان وتقدير من نساء إلى نساء، فجميل أن نرى تقدير النساء العربيات وتشجيعهن، خصوصًا النساء اللواتي يشتغلن في مجالات STEM وهي مجالات العلوم والتقنية والهندسة. جميل أن ندعمهم ونشهد على تقدّم المرأة العربية في هذه المجالات.
هل كان حب العلوم والاستكشاف موهبة منذ الطفولة؟ وهل كان للأهل دور في تزكية ودعم هذا الشغف لديك؟
أمي أطال الله عمرها كانت حريصة جدًا بخصوص دراستنا و تقدمنا العلمي، علمتنا منذ الصغر الطموح والمثابرة حيث كانت المذاكرة والدراسة شيء جد مهم ويشغل حيز مهم من روتين حياتنا اليومي، حتى أننا كنا نقصر فيما يخص حياتنا وطفولتنا لأن والدتي كانت حريصة جدًا على ذلك.
أتذكر أنه كان عندي يوم واحد فقط عطلة وهو يوم الجمعة حيث كنت أخرج وأزور أهلي، أما بقية الأيام فقد كانت مخصصة للدراسة مما نمّى فيّ حب العلم، فأنا متعودة منذ طفولتي أن أدرس وأن أكون الأفضل و هذا الشعور؛ شعور المنافسة أن تكوني الأفضل هو شعور جميل.
عندما كبرت لم يعد هناك منافسة، أولى و ثانية، أو أولى على المنطقة، المدرسة، الدولة….ولكن أصبح لدي تنافس مع ذاتي، أريد دائمًا أن أطوّر من نفسي، فأكيد للبيت دور مهم جدًا في صقل مهاراتنا بأن نكون أفضل.
بما أنك خبيرة في مجال اللقاحات، ماذا يمكن أن تُخبري عامة الناس ممن مازال لديهم شكوك بخصوص تطعيمات كورونا؟
أتفهم مخاوف الناس بخصوص اللقاحات، الخبراء في مجالات العلوم يعرفون بأن اللقاحات تأخذ سنوات، أسرع لقاح في العالم هو لقاح الإيبولا، تّم تطويره في خمس سنوات. بشكل عام، اللقاحات تأخذ وقت إلى أن يتمّ ترخيصها لأنها في مرحلة تجارب سريرية أولى وثانية وثالثة، فكل مرحلة تأخذ مدة زمنية.
في فترة كورونا، تكلمت كثيرًا عن طريق منصات التواصل الاجتماعي مُحاولة أن أشرح للناس وأبسّط لهم أننا في وضع طوارئ، فالوضع ليس طبيعي حتى تمشي الأمور بشكلها الطبيعي المعتاد، فنحن في حالة وباء وهو شيء مدمّر للعالم ومدمّر لاقتصاد الدول والبشر، فقد فقدنا أرواح وأناس عزيزين علينا.
أنا شخصيًا فقدت جدتي لكورونا. هذا الوضع ألزم منظمة الصحة العالمية أن ترخص اللقاحات بشكل طارئ لوضع طارئ، وبعد أن ينتهي وضع الطوارئ، على الشركات المصنعة أن تستمر في أبحاثها وتسلم نتائج التجارب السريرية الثالثة.
ولكن بشكل عام، هذا الترخيص يعني أن الفوائد المحتملة للقاح أكثر من المخاطر المحتملة وللضرورة أحكام، فاللقاح آمن وفعال ليقينا من المرض.
وأنا أنصح الناس بأن يطمئنوا ويتوكلوا على الله ولن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا.
ولا أحد في أي مجال طبي أو علمي يستطيع أن يجزم بأن أي دواء أو لقاح هو فعال بنسبة مائة بالمائة، هذه النسبة هي خيالية، فدائمًا ما تكون نسبة الخطأ، ممكن أن يُفيد اللقاح ناسًا ولا يُفيد آخرين وهو شيء طبيعي جدًا ولكننا نأخذ بالأولويات.
إقرأ أيضًا
كباحثة وعالمة عربية، إنجازاتك العلمية تشكّل بالتأكيد قيمة مضافة لكل بلد عربي وأنت فخر لوطنك الإمارات، ما هي الرسالة التي توجهينها لكل امرأة وفتاة عربية طموحة؟
كل امْرَأَة عاملة أو غير عاملة، في أي مجال من المجالات، حتى إن كانت ربة منزل فهي وظيفة عظيمة أن تكون الأم ربة منزل. بكل الأحوال أقول لها؛
أنتِ قادرة وأنتِ كافية، أنتِ خليلة الرجل وأنتِ نصف المجتمع، لا تحتاجين شيء لكي تثبتي نفسك، وجودك كافٍ، ومهاراتكِ و إبداعاتكِ موجودة حتى إذا لم تعرفيها، هي كامنة بداخلكِ ولزامٌ عليكِ أن تتعرّفي عليها.
هناك مهارات معينة لكي تكتشفي بأي مجال أنتِ مبدعة وكيف يمكن أن تبرزي وتدعمي نفسك وتكوني مستقلّة ماديًا.
أكيد لديك مهارة ما… لم تكتشفيها إلى الآن.
في جميع الأحوال، أتمنى التوفيق لكل النساء حول العالم وبالأخص النساء العربيات.