أمومة وتربية

أثر المعاملة الوالدية على الصحة النفسية للطفل

أثر المعاملة الوالدية على الصحة النفسية للطفل
شارك الموضوع

المعاملة الوالدية بأساليبها المختلفة لها تأثيرات لا يُستهان بها على الأطفال.

إنهم نعمة يرزقنا الله بها كأمانة وهم بحاجة دائمة للرعاية والتنشئة القويمة، وهذه مسؤولية تقع على الوالدين، وينبع من هذه المسؤولية واجبات عديدة أهمها توفير بيئة مناسبة للأطفال تراعي صحتهم الجسدية والنفسية لتنشئة جيل يحمل منارة الحضارات ويساهم بشكل إيجابي في تقدم المجتمعات.

يكبر الطفل في أحضان أسرته، يكتسب ما يراه حوله، وكل ما يكتسبه يؤثر على حياته.

حيث تُشير الدراسات أن شخصية الإنسان تتشكل في الخمس سنوات الأولى من حياته، ومرحلة الطفولة تشكل ثلث عمر الإنسان، منذ ولادته حتى يبلغ سن الثامنة عشر، وعبر هذه السنين يخرج نتاج ما زرع الوالدين في أطفالهم، فشخصية الطفل هي حصاد ما تربى عليه. 

الطفل والمنظومة الأسرية

ينشأ الطفل في منظومة أسرية تحكمها قواعد ومعايير وتصرفات قد تؤثر على صحته النفسية سواء بالإيجاب أو السلب.

فالأسرة هي دائرة المجتمع الأول للطفل وأول محيط تفاعلي ينشأ به التواصل، وهي الخلية الأولى في المجتمع حيث أنها تمثل نظامًا اجتماعيًا قائمًا بحد ذاته، يعرّف عالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت الأسرة على أنها:

الخلية الأولى في جسم المجتمع وهي النقطة التي يبدأ منها التطور، وهي أول وسط طبيعي ينشأ فيه الفرد ويتلقى فيها المكونات الأولى لثقافته ولغته وتراثه الاجتماعي.

وفي تعريف آخر للأسرة؛ هي الوسط المناسب لإقامة الكيان النفسي المتكيف لأفرادها، حيث يقع عليها مسؤولية إنتاج جيل واعي وقادر على المشاركة الفعّالة في المجتمع.

حيث نستنتج من هذه التعريفات أن الأسرة هي المسؤولة عن تنشئة طفل وتصديره للمجتمع ليتكيف معه ويصبح أحد أفراده المنتجين. 

الأطفال يكبرون في أكناف عائلاتهم و يأخذون من أطباعهم، وقد عاصرنا أمثال شعبية تُثبت التأثير الأسري الكبير على الطفل مثل “من شابه أباه فما ظلم” أو “طب الجرة على تما، البنت بتطلع لأمها”.

فالأطفال في مراحلهم الأولى يعتبرون متلقين ومقلدين لما يرونه من تصرفات يقوم بها من حولهم، وتباعًا لذلك يجب الانتباه على جميع الأقوال والأفعال من قبل الأسرة لأنها تترسخ في نفسية الطفل وتصبح منهجية حياته.

طفل يخطو نحو المجتمع

الطفل مثل النبتة ما تسقيه إياه يتشرّبه وينمو به، ويتأثر بما حوله.

يتأثر الأطفال بالمناخ النفسي السائد داخل الأسرة، والعلاقة بين الأم والأب ويُحاكيهم في أساليبهم، فالشخصية السوية تنشأ في جو من الحب والتفاهم والثقة والأمان حيث يُساعد ذلك على التكيّف مع مواقف الحياة ويجعل من الصغار أشخاصًا منتجين في المستقبل.

بخلاف الحالات العديدة التي سجلها أخصائيون نفسيون تُظهر أن افتقاد الطفل للتعاطف في أولى سنوات حياته له أثر سلبي على نموه العقلي والوجداني، فهي قيمة أساسية يحتاجها لإشباع احتياجاته النفسية مثل الأمن والاستقرار ومحبة الآخرين والتفاعل الاجتماعي وتعلم السلوك السليم للتواصل.

يوضّح الدكتور مصطفى أبو سعد مدى أهمية قيمة الأمان النفسي والترابط العاطفي مع الأم لدى الطفل الرضيع.

ومن هنا تتعدد وتختلف وظائف الأسرة ومن أهمها الوظيفة النفسية، بجانب وظائف أخرى لا يجب إهمال أي منها، لأنها تتشكل كالسلسة في روح الطفل.

ليس من المنطق أن نشبع معدته ويبقى قلبه وروحه جائعين!

شخصية الطفل تحتاج إلى تأسيس وبناء، فالخطوة الأولى في بناء نفسية الطفل تقع على عاتق الوالدين، من حيث التفاهم بينهما واختيارهم لأساليب المعاملة الوالدية السليمة واجتنابهم الخلافات أمام أطفالهم.

لأن شعور الطفل بوجود مشكلات بين والديه يترك لديه انطباعًا بالخوف والقلق وتهديد دائم، وهي أهم المقومات التي تُساعد في بناء شخصية سوية مستعدة للانطلاق في المجتمع والتصدي للعقبات بطرق صحيحة.

أساليب المعاملة الوالدية

تختلف تربية الأسر عن بعضها البعض، يوجد العديد من الأساليب التربوية الخاطئة التي يظنها الأهالي صحيحة وتساعدهم في تنشئة طفلهم!

فالأسلوب الذي تختاره الأسرة يحدد اتجاه نفسية الطفل.

هناك أساليب اتصال سائدة في الأسرة، تترك أثرها في نفسية الطفل، مثل الأسلوب التوكيدي وهو أسلوب يسمح للطفل التعبير عن حقوقه واحترام حقوق الآخرين وينتج عنه شعور بالطمأنينة والثقة.

بخلاف الاسلوب غير التوكيدي الذي يُكثر فيه الفرد من الاعتذار وتقليل شأنه أمام الآخرين، ويميل لإرضاء الآخرين مما يضطره للتنازل عن مشاعره أو إخفائها غالبًا، وهذا ينتج عنه شعور مقارن بالخوف والتهديد الدائم.

الأسلوب التكاملي في الأسرة هو أسلوب يُنشأ بيئة أسرية أدوارها موزعة بالتساوي بين الوالدين، حيث يمارس كلاً من الأم والأب أدوارهما باتساق وتكامل.

بخلاف الأسلوب الاحتكاري الذي يعتمد على طرف واحد فقط وهو الآمر الناهي وغالبًا ما يكون الأب هو صاحب هذا الدور، وبالتالي تنشأ أسرة متفرقة يسودها القلق والتوتر.

وحين ننظر لمجتمعاتنا العربية، نجد أن أكثر أساليب الاتصال السائدة يتراوح بين التوكيدي والاحتكاري، حيث تُشجّع بعض الأسر أبنائها التعبير عن آرائهم وحقوقهم، ويلجأ البعض الآخر لفرض الأوامر من قبل الوالدين مما يولد حالة من البعد وضعف التواصل.

إقرأ أيضًا

المعاملة الوالدية وتأثيرها على الصحة النفسية للطفل

الصحة النفسية هي أعلى مستوى من توافق الفرد السلوكي والانفعالي مع ذاته وبيئته والمجتمع.

وهذا تعريف واضح ومهم للجزء المعني بتنشئة الفرد وهي الأسرة، حيث أنها من أهم عوامل التنشئة الاجتماعية، فهي العامل الأول في صبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية.

الطفل يحتاج لتنشئة تُراعي صحته النفسية من جميع النواحي، فتلبية احتياجاته عن طريق متابعته والتحدث معه ومنحه مساحة للتعبير عن رأيه، فمثلاً لا نفرض عليه النوم والعقاب لأن لها علاقة وثيقة بصحته النفسية.

فالكيفية التي تتبعها الأسرة بفرض النظام تترك انطباعًا في نفسيته، مثل تحديد موعد نومه وتعلّم عادات النوم السليمة، فكلما كان الأمر بطريقة صحيحة ترك أثرًا إيجابيًا في نفسية الطفل وأحب الأمر دون توجيه تهديدات ليذهب للنوم أومعاقبته وتهديده بالوحوش التي تخرج من تحت السرير إذا لم ينم في وقت محدد.

فهذا يدفعه للشعور بانعدام الأمن النفسي ويضطر للنوم مضطربًا وحزينًا أو خائفًا.

عدا عن حاجته للمحبة والحنان لينمو نموًا سليمًا، فإذا حُرم من هذه المشاعر التي تبعث على الطمأنينة، يصبح الخوف والقلق ملازمًا له، فكثيراً ما نقرأ قصص حقيقية أو نُشاهد أفلامًا عن مجرمين تعود خلفياتهم لمحيط أسري يفتقر للحب والحنان أو علاقة مسيئة بسبب الأم أو الأب.

فلا بد للمعاملة الوالدية أن تشمل العطاء والحب بشكل مستمّر وليس متقطّع.

صنفت عالمة النفس Diana Baumrind الأنماط الوالدية إلى أربعة أنواع؛ وهم الآباء المتسلطون الذين يميلون لفرض السيطرة دومًا، بخلاف الآباء الديمقراطيون والمتسامحون الذين يُشعرون أبنائهم بالحرية ويبادلونهم الحب والتفاهم هو محور النقاش بينهم.

أما عن الآباء المُهْمِلون لأبنائهم فهم يجهلون ما يدور في نفسية طفلهم، فالعائلة قد تُحوّل حياة طفلها إلى جحيم أو نعيم تبعًا للنمط الذي تنتهجه في التربية.

فهناك بعض الدراسات التي أثبتت شعور بعض الأطفال بالتحكم، التفرقة والحماية المفرطة من قبل الوالدين كأسلوب تربية أدت لشعور الطفل بعدم الأمان النفسي.

تتبع بعض الأسر أساليب تربوية خاطئة ظنًّا منها بأنها طريقة تربية مُثلى، تترك انعكاسات سلبية على الطفل، حيث تجهل الأسرة الضرر الكبير الذي يطال شخصية طفلها من اضطرابات نفسية.

المعاملة الوالدية التي تعتمد فرض أنظمة صارمة وعقوبات وتفرقة أو تمييز في المعاملة بين الإخوة، كلها قد تسبب للصغار قلق دائم وتوتر وعدوانية وعدم تكيّف.

الطفل انعكاس والديه

قبل مدة ظهر أمامي فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يظهر شاب في سنوات مراهقته يتعامل بطريقة هجومية على رجل طلب منه التزام الهدوء في مكان عام، وتبعه الرجل لمنزله ليخبر والديه بتصرفه، فكيف تصرف الأب؟

قام بتعنيف ابنه…!!

من هنا نلاحظ أن المعاملة الوالدية تصبح طابعًا في شخصية الطفل، فطريقة تعامل الآباء هي ما ينتهجه الطفل أسلوبًا مدى حياته.

إقرأ أيضًا

أول العلاقات تكون لدى الطفل تكون مع أفراد أسرته، فما يحدث داخل الأسرة يظل مرافقًا له كالظل بقية حياته.

نحن في مجتمعات تتوارث الأساليب التربوية بين الأجيال دون مراعاة لمُتطلّبات العصر والزمن الجديد، نرى الطفل يُصدم بالمجتمع ويصدّه ونرى آخر يستقبله ويتفاعل معه إيجابيًا، تختلف ردّات الفعل باختلاف المُقوّمات النفسية للأسرة والمعاملة الوالدية لتنشئة الطفل.

تربية طفل مهمة عظيمة، ولأن أجيال الغد هم أطفال اليوم، فلا بد من انتهاج أساليب تربوية سليمة لكي نرى جيلاً يُبصر النور وهو قادر على تحمّل المسؤولية ومواجهة العراقيل ومطبّات الحياة.

المراجع
. دراسات في علم الاجتماع العائلي، مصطفى الخشاب.
. سيكولوجية المشكلات الأسرية، أحمد عبد اللطيف أبو أسعد، سامي محسن الختاتنة.
شارك الموضوع
شيماء يوسف

كاتبة لا تستغني عن الكتب رفيق، حالمة تُسافر عبر الزمن، لتلتقي بزمان تكون النساء فيه وحدهن رائدات. دارسة للأدب الانجليزي ولا تشبع من علم لا يفنى.

تعليق واحد على “أثر المعاملة الوالدية على الصحة النفسية للطفل

  1. حنين

    جميل جدا من النقاط المهمة جدا ولكن للاسف يغفل عنها الكثير من الوالدين دعيني اخبرك عزيزتي بأنه اذا صلح الاباء صلح الابناء بالتالي صلح هذا المجتمع

  2. گـروان

    ** اود الاضافه أن من لم يجد الحنان في بيته يبحث عنه بالخارج.. أيا كان جنسه (فاقد الشيئ يبحث عنه)

    وهذا سبب الكثير من المشاكل العاطفيه؛ ف كلمه او القليل من الاهتمام من قبل الغرباء يجعلنا نقع في حب اهتمامهم لا حب اشخاصهم..
    وهذا أحد اهم الاسقاط في وحل العماله من قبل الاحتلال

Comments are closed.