قضايا المرأة

التحرش في العمل؛ قصص واقعية تُظهر العار الذي يلاحق الضحايا

التحرش في العمل؛ قصص واقعية تُظهر العار الذي يلاحق الضحايا
شارك الموضوع

التحرش في العمل ليس حادثة عابرة تُنتسى مع الوقت وتدفن، إنه قضية غاية في الخطورة تؤرق النساء العاملات منذ زمن طويل.

فهن يستيقظن يوميًا لمواجهة مصيرهن الملّبد بالغيوم وسط العديد من الوسائل التي تفننت لتحوّل واقعهن إلى جحيم يومي، يعبرن الطرق ويمشين الشوارع وسط نظرات الرجال التي تنحت أجسامهن ولا تخلو من الحياء، وليست تلك النهاية بل إنه الطريق نحو العمل الذي ظنناه مكانا آمنا بعيدًا عن غوغاء الشوارع  لتجدن هناك مسيرة جديدة تضيف بذلك عبئا جديدًا على أعباء الحياة الأخرى.

“مديري أوصد الباب ودفعني للداخل بقوة”

“يمكن اللي حصلي ده نتيجة تصرفاتي” هذا ما استهلت به لمياء كلامها لتعبر عن المعاناة التي عاشتها في العمل، وتدين نفسها بسبب عفويتها وروحها المرحه وشخصيتها الاجتماعية مع الكل، ومحاولتها جلب البهجة داخل العمل على نفوس الأصدقاء.

لمياء إمرأة ثلاثينية تعمل منذ عدة سنوات في شركة صناعية بعد أن تزوجت فور تخرجها، ولم تكن أكثر من ذلك سعادة إلى حين تعيين مدير جديد بعد 3 سنوات من عملها بالشركة، لتجده شخص غريب الأطوار. يُطري على ملابسها، ودائمًا ما يفتعل أسباب للحديث معها، ويعترض طريقها في الممرات.

كانت الصدمة عندما دعاها إلى مكتبة لمراجعة بعض الأوراق. فإذا به يوصد الباب من خلفها، ويسحبها من شعرها ويُقعدها على الأريكة ليجلس فوق منها عنوة، وعندما حاولت الصراخ كتم صوتها بيده، وأخذ يحتّك بها وكأنه يستمني، إلى أن طرق الباب أحدهم ليُطلق سراحها مجبرًا.

تحرّش يدمّر علاقة زواج ويحّول مكان العمل إلى جحيم

لم تستطع لمياء أن تحكي لأحد ما حدث حتى زوجها خوفًا من العار الذي سيلاحقها، ولكونها تشعر بالذنب بأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها ومعاملتها له وكأنها بذلك أعطته الضوء الأخضر ليفعل ما فعل، وعندما قررت الرحيل من الشركة وتقديم استقالتها طلب منها زوجها تبرير خطوتها تلك واطلع على ما حدث، فما كان من ردة فعله إلا أن أخبرها بأن ملابسها وشخصيتها المنفتحة هي السبب وأنها هي من كانت تبحث عن ذلك وذاك ما أدى لحدوث الانفصال بينهما.

واجهته عندما عدت للعمل بما حدث وطلبت منه ألا يكّرر ذلك ولكنه تظاهر بعدم إدراكه لما أقول ومن هنا توالت العقوبات والمعاملة السيئة فأصبح يعاديني وينهرني وسط زملائي دون سبب

أكملت لمياء حديثها توضح أنها استمرت على ذلك لمدة عام بسبب احتياجها الشديد للعمل ولكنه قرر أن ينتقم منها في النهاية حيث أصدر تقرير يتهمها فيه بإخلال المواعيد.

وعند عرضي على قسم الموارد البشرية للتحقيق أقنعتي زميلتي أن أفصح عما حدث من قبل، وبالفعل قصصت عليهم فما كان منهم سوى بطلب التزام الصمت من جانبي وقاموا بنقلي إلى قسم آخر ولم يتلقى أي نوع من العقوبة

ماذا يعني التحرش الجنسي

التحرش في العمل ليس له تعريف واضح بشكل تام إلا أن بعض المبادرات والحركات العالمية قامت  بوضع تعريف له. وفق مبادرة خريطة التحرش الجنسي في مصر، التحرش الجنسي هو: 

أي شكل من أشكال الكلام أو الأفعال غير المرغوب فيها ليها طبيعة جنسية تنتهك جسم الانسان أو خصوصيته أو مشاعره وتخليه يشعر بالضيق أو التهديد أو عدم الأمان أو عدم الاحترام أو الصدمة أو الإهانة أو الخوف أو الأذى أو الإساءة أو إنه بيتعامل كحاجة مش كبني آدم. 

أنواع التحرش في بيئة العمل

أنواع التحرش عديدة وقد تكون متداخلة عند البعض، يمكن أن يأخذ التحرش في بيئة العمل العديد من الأشكال التي يعاقب عليها القانون ولا ينحصر في النظر والإيحاء والفعل واللمس فقط، وهذا ما تجهله العديد من السيدات والفتيات في المنطقة العربية، وأبرز أشكال التحرش التي وضحتها مبادرة خريطة التحرش هي: 

– النظر المتفحّص أو النظر بشكل غير لائق إلى أجزاء من جسم شخص ما أو عينيه.

– عمل أي نوع من التعبيرات الوجهية التي تحمل اقتراحًا ذو نوايا جنسية (مثل اللحس، الغمز، فتح الفم).

– النداءات (البسبسة): التصفير، الصراخ، الهمس، و أي نوع من الأصوات ذات الإيحاءات الجنسية.

– التعليقات و إبداء ملاحظات جنسية عن جسد أحدهم، ملابسه أو طريقة مشيه/تصرفه/عمله، إلقاء النكات أو الحكايات الجنسية، أو طرح اقتراحات جنسية أو مسيئة.

– تتبع شخص ما، سواء بالقرب منه أو من على مسافة، مشيًا أو باستخدام سيارة، بشكل متكرر أو لمرة واحدة، أو الانتظار خارج مكان عمل/منزل/سيارة أحدهم.

–  طلب ممارسة الجنس، وصف الممارسات الجنسية أو التخيلات الجنسية، طلب رقم الهاتف، توجيه دعوات لتناول العشاء أو اقتراحات أخرى قد تحمل طابعًا جنسيًا بشكل ضمني أو علني.

– التدخل في عمل أو شؤون شخص ما من خلال السعي لاتصال غير مرحب به، الإلحاح فى طلب التعارف والاختلاط، أو طرح مطالب جنسية مقابل أداء أعمال أو غير ذلك من الفوائد والخدمات، وتقديم الهدايا بمصاحبة إيحاءات جنسية، أو الإصرار على المشي مع الشخص أو إيصاله بالسيارة إلى منزله أو عمله على الرغم من رفضه.

– عرض صور جنسية سواء عبر الإنترنت أو بشكل فعلي.

– التحرّش عبر الإنترنت من خلال القيام بإرسال التعليقات، الرسائل و/أو الصور والفيديوهات غير المرغوبة أو المسيئة أو غير لائقة عبر الإيميل، الرسائل الفورية، وسائل التواصل الاجتماعي، المنتديات، المدونات أو مواقع الحوار عبر الإنترنت.

– عمل مكالمات هاتفية أو إرسال رسائل نصية تحمل اقتراحات أو تهديدات جنسية.

– اللمس، التحسس، النغز، الحك، الاقتراب بشكل كبير، الإمساك، الشد وأي نوع من الإشارات الجنسية غير المرغوب بها تجاه شخص ما.

– التعري وإظهار أجزاء حميمة أمام شخص ما أو الاستمناء أمام أو في وجود شخص ما دون رغبته.

– التهديد بأي نوع من أنوع التحرّش الجنسي أو الاعتداء الجنسي بما فيه التهديد بالاغتصاب.

مقال آخر قد يهمّك

التحرش بعبع يهدد المرأة، يفسد راحتها ويعيق أهدافها

تحرش أم مجرد مغازلة؟

يرى بعض الرجال أن المغازلة أو التعبير عن الإعجاب لزميلات العمل لا يعد من التحرش الجنسي، فهو مجرد تعبير جيد في رأيهم، ولكن من المنطقي والعادل أن من يستطيع تقييم هذا التعامل هي المرأة التي تتعرض للمغازلة أو الإعجاب وليس الرجل الذي يقوم بذلك، فإن كانت المرأة التي تتعرض لذلك تشعر بالانزعاج غير المقبول فهذا يعد تحرش لفظي بالضرورة، وحتى إن لم تعبر هي عن استيائها من ذلك.

إقرأ أيضًا

بين الغزل والتحرّش خط رفيع وارتباك في المفاهيم

التحرش في العمل جريمة يصعب الإبلاغ عنها

في مجتمعاتنا الشرقية يعتبر الإفصاح عن التعرض للتحرش وصمة عار ليس للرجل الذي قام بتلك الجريمة بل للمرأة التي تعرضت له، ولهذا ترفض الكثيرات الإفصاح عما تعرضن له من جرائم تحرش جنسي في العمل ويضطرون إلى التكتم لعدة عوامل، منها أن البيئة المحافظة تعتبر ضحية التحرش الصامتة أكثر حكمة من تلك التي تعترض بشكل علني، بل ويصل الأمرإلى اعتبارها في بعض الأحيان هي المجرم في تلك الواقعة.

أما عن البيئات المنفتحة تلك التي تمتلك مجتمعاتها قوانين تجرّم وتعاقب التحرش في العمل، فهناك احتمالية كبيرة لعدم إفصاح المجني عليها خوفًا من انتقام الجاني منها بعد ذلك، حيث تشير دراسة نشر تفاصيلها موقع VOX إلى أن 75% من النساء الأمريكيات اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي في العمل وتحدثن عن الموضوع قد تعرضن لأعمال انتقامية من المتحرشين، هذا كله إلى جانب الخوف من فقدان العمل وتأثر مصدر دخلها بشكايتها، إلى جانب النظرة القاسية التي تتعرض لها من جانب أهلها وزملائها من الإناث قبل الذكور.

تمت الموافقة مؤخرًا من طرف البرلمان المصري على تعديل قانوني يضمن سرّية بيانات ناجيات/ضحايا جرائم التحرش والاعتداء الجنسي إثر ارتفاع أصوات التنديدات وحملات غير مسبوقة عن طريق منصات التواصل الاجتماعي لفضح المتحرشين وسرد قصص الاعتداء والتعنيف الجنسي الذي تعاني منه في صمت وخوف آلاف الفتيات والنساء في مصر، وهي خطوة أولى وكبيرة نحو تحقيق تمكين حقيقي للمرأة وتفتيت الذكورية المسمومة. يُفيد استطلاع للباروميتر العربي في دورته الخامسة (2018-2019) بأن تصنيف مصر يعد الأول من حيث التحرش الجنسي.

غير أن المبادرات الحقوقية والسياسية لا تنفي كون التحرش الجنسي هو مشكلة جد خطيرة في مصر وفي باقي العالم العربي وتحتاج تغييرات جذرية في الأنماط الجندرية والمعايير الأبوية السائدة التي تبرر السلوك العنيف ضد المرأة.

التحرش في العمل وكيفية مواجهته بقوة وذكاء

يعد كشف المستور شيء صعب للغاية خاصة أن المرأة التي تعرضت للتحرش الجنسي في العمل، تدخل في صراع بين البوح وفضح الجاني مع إمكانية فقدانها لوظيفتها وزعزعة استقرارها الوظيفي وبين استمرار تعرضها للتحرش من وقت لآخر في عملها، وإن صمتت فستجد نفسها حائرة كيف تتعامل مع المتحرش وتوقفه عند حده؟

 وإن باحت فكيف تستطيع التعامل مع زملائها الرجال وتنزع من ذاكرتها ما حدث إذا انتقلت لمكان آخر للعمل، ولكن هناك بالتأكيد العديد من الحلول العملية التي تساعد على تخطي هذا الأمر. يقدم هذا الفيديو لراديو وموقع روزنة عن التحرش في العمل بعض الحلول.

حلول مقترحة قد تنقذ حياتك

ضرورة معرفة القوانين المناهضة للتحرش في بلدك

عليك أن تطلعي على القوانين الخاصة بالتحرش في البلد التي تقيمين فيه، ومن هنا يمكنك معرفة العقوبات التي تلحق بالمجرم وكيف يمكنك الإبلاغ عنه بشكل قانوني دون أن يمسك ضرر.

التعامل بشكل رسمي عن طريق الإدارة وكبار المسؤولين

حاولي البحث عن أي فرد من الإدارة قد يتفهم ما تعرضت له من تحرش جنسي في العمل من قبل أحد زملائك أو مديرك، ويكون قادر على معالجة الأمر دون إلحاق الأذى بك، كما أنه يمكنك تقديم شكوى رسمية إلى المستوى الإداري الأعلى ليقوموا باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المتحرش، ويمكنك إثبات ما تعرضت له من خلال الإستعانة بآلات التصوير الموجودة في المكان.

تقديم دعوى قضائية  

في حالة أن ما سبق لم يجدي نفعًا، فعليك القيام برفع دعوى قضائية ضد المتحرش وحتى إن لم تستطيعي إدانته أو توجيه عقوبة له فهذه الخطوة ستردعه وتخيفه من تكرار ذلك مرة أخرى على الأقل معك.

حاولي الابتعاد عن أماكن التحرش

تجنبي أي مكان تتواجدين فيه مع المتحرش وحدكما، وابتعدي عن الأماكن الضيقة والتي لا يتواجد فيها موظفين، وحافظي على مسافة آمنة مع الكل، وإذا كنت تتعرضين لذلك بشكل مستمر يمكنك الاحتفاظ بتسجيل صوتي أو صورة لتوثيق ما يحدث من قبل المتحرش ليكون دليل ضده عند اتخاذ أي إجراء.

تحتاجين إلى الدعم

الدعم الأسري هو أقوى شيء قد تحتاجينه للتغلب على ما تعرضت له ومجابهته بقوة، وبالتالي إذا كان زوجك أو والدك أو أخوك ممن يتفهمون الأمور، عليك بالبوح لهم بما تعرضت لهم من مضايقات في العمل، حتى يمكنك اتخاذ الإجراءات القانونية محاطة بدعم من الأهل.

لا تتهربي بل واجهي بقوة وذكاء

عليك بمواجهة المتحرش بشكل مباشر، قومي بتحذيره أو تهديده، أو على الأقل هدديه بأنك ستفضحين أمره وتخبري أهلك أو الإدارة وتقدمين شكوى ضده، وقومي باستخدام قوتك الجسدية للدفاع عن نفسك خاصة إذا تخطى المتحرش حدوده أكثر من اللازم.

غيّري مكان العمل إن أمكن

في حالة عدم جدوى كل ما سبق لن تجدي أمامك سوى تغيير مكان العمل أو طلب نقلك إلى قسم  آخر.

في النهاية عليك أن تساعدي نفسك ولا تدينيها في حالة تعرضت للتحرش فأنت ضحية وناجية بالتأكيد وعلى الجاني أن يأخذ عقابه لذلك كوني شجاعة في مواجهة الموقف وأخذ حقوقك كاملة.

شارك الموضوع
دينا الألفي

صحفية وكاتبة محتوى حر، مهتمة بالقراءة في جميع المجالات، ولكني أهتم بالأدب بشكل خاص، عملت بالكتابة لأكثر من ست سنوات، اغتنيت بأرشيف متنوع.