عندما اقتربت 2020 – السنة الاستثنائية – بامتياز في تاريخ البشرية الحديث على نهايتها، بدأ البعض يتحدّث عن أنه حان ذاك الوقت من العام لعمل تقييم للسنة التي شَرفت على الإنتهاء وأحداثها الدرامية، فرغم أن معظمها كان مُحبطًا ومخيّبًا للآمال بشكل مُخيف وغير طبيعي بالنسبة للكثير من الناس، ككل الأشياء الصعبة التي تأتي في الحياة، هناك دروس قيّمة يمكن تعلمها بشكل شخصي من تجربة 2020 الإنسانية.
أعترف أنني أميل وعلى نحو ساذج في بعض الأحيان إلى رؤية الجمال والخير في كل أمر مهما كان عصيبًا، وجدت أن ميزتي الشخصية هاته التي كرهتها في العديد من المناسبات والمواقف في حياتي، هي التي أنقذتني بالفعل هذه السنة التي لن يتمنى أحد تكرارها بأي ثمن.
لقد هاجمتنا 2020 في أكثر ‘مناطقنا الحسّاسة’، سوف أستعير هذه التسمية هنا لأنها تبدو حاسمة في معناها في إطار السياق الذي أريد تبليغه. اختُبرنا جميعًا بدون استثناء في الحَيّز الضعيف من أنفسنا؛ قدرتنا على التأقلم مع تغيّرات الحياة المُفاجئة.
من الخطأ الكبير أن نعتقد أن 2021 هو العام الذي ستعود فيه الأمور إلى طبيعتها، لا شيء لحدود الساعة يُخبرنا بذلك. كوفيد-19 سيُجبرنا على تغيير جذري لأنماط حياتنا إلى الأبد سواء كان ذلك سلبًا أم إيجابًا أو مزيجٌ بينهما.
يتحدّث الجميع عن دروس من المُفترض أن نكون تعلّمناها من الأزمة، البعض يقول أنه تعلّم دروس عن الحياة والعلاقات بشكل عام، والآخر يعتقد أن الوباء كشف عن هشاشة أنظمة العصر الحالي الذي تعيشه البشرية وأنّه لابد من القيام بخيارات واعية لأجلنا وأجل الأجيال القادمة أو أننا سنكون أمام خيار الإذعان القسري لنمط حياة سيُفرض على الجميع.
دروس أو لا، الجائحة غيّرتنا على نحو غير اعتيادي، وضعت بصمتها على واقعنا المُعاش وحياتنا اليومية، فتّحت بصائرنا المُغلقة على رؤية الأمور من زوايا جديدة، التجربة مختلفة لكل واحد فينا، لذلك لجأت إلى منصتين حيث يتشارك مجموعة كبيرة من رواد الانترنت العرب تجاربهم ومعارفهم عن طريق الأسئلة والأجوبة وقمت بطرح هذا السؤال:
ما هي يا ترى أصعب الدروس التي قد تكون تعلّمتها في 2020؟
عشوائية العيش لم تعد مقبولة، فالفرص الحقيقية لا تعرِض نفسها مرتين!
كانت حياة معظمنا قبل الوباء عبارة عن سباق فئران، الغريب في الأمر هو أننا عادة ما نفتخر بكمّ الزخم الذي يملأ جدولنا اليومي والقفز من مكان إلى مكان ونشاط إلى آخر دون أخذ الوقت الكافي للتفكير والجلوس مع أفكارنا وأنفسنا، بالرغم من الإرهاق الذي يؤدّي إليه ذلك. فنحن لم نعتد على ثقافة تزكية النفس والاستماع لها.
كانت سنة 2020 مليئة بالكثير من الفشل بالنسبة لأحمد من منصة المحتوى الذي أجاب عن سؤالي عبر سرد تفاصيل لدروس مهمة أجبره هذا العام على تعلّمها.
الفشل هو أستاذي الأكبر..
يحكي صديقنا أنه لم يكن يقوم بإتمام برنامج دراسي يبتدئه، حيث كان سريع الانسياق وراء كل جديد على حساب واجباته اليومية والأسبوعية، اتّسم نظام المذاكرة عنده بالعشوائية. فيقول: ‘العشوائية مهلكة، تفعل ما أمامك ولا تعلم لماذا تفعله، تُدخل لرأسك الكثير والكثير، دون أدنى اكتراث لترتيب تلك المعلومات ووضعها في مكانها.. وهذا يولد نتاج صغير جدًا..’
وفي إطار دراسته دائمًا، كان أحمد يحتار بين أعداد الكورسات المجانية المُتاحة، فلا يختار أهمّها بالنسبة له، اعتقادًا منه أن باستطاعته ‘فعل الاثنين’ فينتهي به المطاف مُضيّعًا كلا الدورتين لأنه لَمْ يُعْطِ الأولوية والتركيز لفرصة واحدة فقط دون الالتفات لأخرى تُشتِت انتباهه.
أجبره الحجر الصحّي والتواجد في المنزل إجباريًّا على إعادة حساباته، فعرف أن النظام والتخطيط هو أساس النجاح وتيقّن أيضًا بأن اقتناص فرصة واحدة مهمة أفضل من محاولة ضرب عصفورين بحجر واحد، فتلك استراتيجيّة غبيّة ظننا أنها عبقرية لسنوات طويلة. وفي هذا يقول أحمد: ‘ لذلك امتلك فرصة ما، أو ما يسعك أن تفعل ولا تنشغل بفرص أخرى حتى تفرغ..’
دروس أخرى تعلّمها أحمد خلال 2020 كان من بينها؛ عدم التعلّق، وهو درس آخر كبير جدًّا لنا جميعًا.
التعلّق أساس كل المآسي
لعلّ أكبر الحكم والعبر المُستقاة من سنة الوباء كان ضرورة فك التعـلّق، فقد كان لابد لنا جميعًا من التخلّي عن شيء ما؛ شخص، مكان أو عادة…كلها تندرج في خانة التعوّد الذي قد يدخل في غالب الأحيان إلى حيّز ضيّق جدًّا أشبه بالإدمان، بالتأكيد يمكن أن نُدمن وجود الأشخاص، التواجد في أماكن أو القيام بأنشطة. أرغمتنا التغيّرات المفاجئة المتتالية التي ألقى بها الوباء في وجهنا على الاضطرار للتوقّف عن فعل الأشياء التي لطالما ارتبطنا بها بشدّة.
هذا درس مُشترك بيننا جميعًا لأننا نشترك في خاصية إنسانية لا مفرّ منها وهي؛ العواطف، فغالبًا ما يحمل التعلّق في طيّاته شحنة عاطفية معيّنة، بعضنا اعتاد السهر في أماكن مُحبّبة إلى قلبه ولقاء الأصدقاء هناك أو في جلسات تسامرية على المقاهي، ربما كانت مشاهدة فيلم بالسينما أو التسوّق برفقة الصديقات ملاذًا ممتعًا إن لم يكن مُخدِّرًا، هل كان التجمّع حول موائد الطعام مع العائلة عادة مقدسة لم نكن نتخيّل أنه سيأتي يوم علينا أن نتوقف عنها أو نقلّل منها؟!
ضَرب الوباء في عُقر العادات اليوميّة للأفراد، ملايين ممن فقدوا إمكانية اللقاء المباشر مع من يحبّون، ذلك الشخص الذي تعودوا رؤيته ولمسه كل يوم ربما، جعل الحجر والخوف من العدوى من ذلك مستحيلًا، فخلق نوع من الألم بسبب الشرخ الذي سببه في طبيعة سير العلاقات.
التباعد الاجتماعي حتى مع أقرب الناس في محيطنا؛ جيراننا، عائلتنا، أصدقائنا وزملائنا في العمل جعلنا ندرك بأن الصحّة وكل من نحب هي من أهم الأشياء في الحياة، ” العلاقات الاجتماعية مهمة جدًا؛ فـلا تنعزل عن الناس وأن الأصدقاء الحقيقيين هم أفضل ما في هذه الحياة.. أما الصحة فهي تاج فعلاً.” يقول أحمد سلامة الذي أجاب عن سؤالي على منصة كْوَرا بالعربي.
فمن هذا المنطلق، فَطِن العديد من الأشخاص تحت الضغوط النفسية الناجمة عن الأزمة وتأثيراتها على العلاقات الاجتماعية إلى أن التعلّق مهما كان شديدًا، بعض العلاقات لم تعد جديرة بِالاستمرار فيها فالطرف الآخر أو ديناميكية العلاقة ذاتها ليس مُستَأهِلة المجهود والوقت الثمين ويجب أن يمضوا قدمًا، تاركين مساحة في حياتهم فقط لمن هم جديرون ومُستحقون للحب غير المشروط و أَهلٌ له.
إقرأ أيضًا
وكان هذا من بين الدروس التي شاركها أحمد في إجابته المفصّلة على سؤالي على منصة كْوَرا بالعربي، “أن جميعنا فترات في حياة بعض؛ الكل سيرحل.. وأن قليل جدًا هم مَن سيعدونك بالبقاء؛ وأقل من أصابع يدك هم مَن سيبقون ويوفون بكلمتهم” وكتب أيضًا:
حياتنا أصبحت مليئة بالعلاقات المسمومة؛ التي تمتص طاقتك وتنتشر في جسدك كالسرطان لتميتك بالبطئ.. ابترها فورًا ولا داعي للتأجيل كل ساعة…. أنت الكسبان
بلا شك لا تنطبق حِكمة فكّ التعلّق على العلاقات الاجتماعية أو العاطفية فقط، هو درس أجبرنا الوباء على إدراكه رغم صعوبته الشديدة، فالتعلّق بنمط حياة محدّد اعتدنا عليه، أو هدف سعينا من أجل تحقيقه لسنوات، جاءت 2020 لتُرغمنا على فكّ الارتباط به لأنه عندما ننفك لا نرى سوى طريقٍ واحد نُعطّل حواسنا كاملة عن استِشْعار طُرق وفرص أخرى ربما أفضل نحو التطّور والازدهار.
دروسنا من 2020 كثيرة وباقية لأعوام قادمة
وفرة من الدروس والعِبر تنبّه إليها أشخاص كُثر. دروسنا من 2020 كثيرة وزخمة بالقيم التي لا يجب أن نجعلها تمرّ بدون التفكّر في معانيها، من بين أصعب الدروس التي لفتت انتباهي وأعجبتني كان قد شاركها الأشخاص الذين أجابوا على سؤالي أشاركها معكم هنا:
1. “الناس تعود لنفس الدوامة؛ نفس أسلوب الحياة المُلهي.. الكل يُعرِض؛ وعود؟! أي وعود؟! جائحة وتغيير بأن أكون نسخة أفضل من نفسي؟! هل تعرف ذاكرة السمكة الذهبية كم تدوم..لا أحد يتعلّم.. تخيّل أن الموت قد مرَّ بنا ولم يُغيّرنا!!”
2. “تعلمت أن الحب هو أن تمنح كلّك ، وأن تدعه يؤلمك ..”
3. “أنت لا تعرف مدى شجاعتك حتى تكون الشجاعة خِيارُك الوحيد. في هذه السنة تعلّمتُ أنّني قوية ولكن ليس لأنّني اخترت ذلك، بل لأنني وُضعتُ في موقفٍ صعب لم يكن لديّ فيه أي خيار سوى أن أكون قوية أو أخذل نفسي وعائلتي.”
4. “الشدة تبين لك قيمة كل شخص و مدى إنسانيته، و حجم قيمة التضامن في المجتمع.”
فلنتذكّر دائمًا أن المعرفة قوة أما تطبيقها فيبقى القوة الحقيقية، مهما قلنا أن هذه السنة التي ولّت والوباء باقٍ علّمونا وفتحوا أعيننا، تطبيق ما أدركناه هو الدرس الأصعب، يجب أن لا ننسى! وأنتم، ماذا كانت أصعب الدروس التي تعلمتموها في 2020؟!