أصاب فيروس كورونا قطاع صناعة الملابس بالشلل على مستوى العالم، وكبدها خسائر لم تكن في الحسبان، مع توقعات بخروج قرابة 43 بالمئة من الشركات من السوق التجارية.
حيث وجه وباء كورونا لشركات صناعة الملابس ضربة أسوأ من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، فالخسائر العنيفة تطارد مصانع الملابس في البلدان بمختلف مستوياتها الاقتصادية.
انهيار كيانات صناعية كبرى
وأجرت شركة “يويومونيتور إنترناشونال”، دراسة سوق، أكدت خلالها انهيار كيانات كبرى من بين شركات تصميم الأزياء والملابس، والتي تكبدت خسائر فادحة، متوقعة أن تفقد شركات عملاقة نحو 40 بالمئة من إيراداتها.
وتأثرت إيرادات العلامات التجارية بفعل تدابير العزل والإغلاق أسوأ “بكثير” من الخسائر التي تكبدتها في الأزمة العالمية عام 2008، وفق الدراسة.
شركة “زارا” الإسبانية، هي واحدة من أكبر علامات الملابس في العالم التي خسرت في الربع الأول من عام 2020، 409 مليون يورو، مع توقعات باستمرار تراجع نسب المبيعات 12 بالمئة.

وتراجعت مبيعات “زارا” بمقدار 50 بالمئة وسط إغلاق أكثر من 88 بالمئة من متاجرها حول العالم.
أما شركة “H & M ” فواجهت انهيار في المبيعات بنسب تصل إلى 46 بالمئة خلال شهر مارس الماضي، وهو ذروة الأزمة العالمية لانتشار وباء “كورونا”.
خسائر الربع الأول من عام 2020 لم تنج منها تقريبًا أي شركة على مستوى العالم في قطاع صناعة الأزياء والملابس حيث سجلت علامة “غاب” الأمريكية خسائر صافية قدرها 900 مليون دولار خلال الربع الأول من العام.
وتوقعت شركة تابيستري الأمريكية التي تمتلك “كيت سبيد كوتشي _ ستوارت فايتسمان” خسائر تصل إلى 250 مليون دولار في النصف الثاني من عام 2020 بسبب تفشي وباء كورونا.
الخسائر عربيًا
أما في الوطن العربي فلم يصمد اقتصاد الملابس، فضلا عن أنه جزءًا من اقتصاد هش، فمن الإمارات مركز التسوق في الوطن العربي إلى الأردن ومصر، تبقي الخسائر كارثية كل حسب قوته مهما اختلفت الأرقام.
وقدرت نقابة الملابس والأقمشة في الأردن خسائر القطاع جراء إغلاق فييروس كورونا واتباع قواعد التباعد الاجتماعي خلال 3 أشهر بأكثر من 32 مليون دينا أردني “46 مليون دولار أمريكي”.
وطالب أسعد القواسمي، ممثل قطاع الملابس في الغرفة التجارية في الأردن بضرورة اتخاذ إجراءات تحمي صناع الملابس منها الإعفاء المؤقت من الإيجار أو الوصول لصيغة تفاهمية “تشاركية” مع المالك.
أما “دبي” فتوقعت غرفة تجارتها أن 70 بالمئة من الشركات سوف تغلق أبوابها في غضون الستة أشهر المقبلة، وذلك في مسح شمل أكثر من 1228 مديرا تنفيذيًا للقطاع، غالبيتهم من الشركات الصغيرة التي تضم متوسط 20 موظفاً، وتوقع 27 بالمئة من المديرين مغادرة وظائفهم.
ولم بختلف الحال في مصر، بل كان أسوأ، فالاقتصاد الذي يعاني من عجز كلي، وضربات متتالية منذ عام 2011، وفرض ضرائب متصاعدة وتعويم للعملة المحلية، وصلت الخسائر إلى 70 بالمئة من جملة المعروض في السوق.
وأرجعت شعبة الملابس بالغرفة التجارية في القاهرة الخسائر إلى الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة بعد أزمة كورونا، وتقليص ساعات العمل وسط حظر التجوال.
وأوضحت الغرفة أن انخفاض مبيعات الأعياد “الفطر والأضحى، وعيد القيامة”، وهي مواسم المبيعات في مصر بسبب منع التنزه وغلق الأماكن العامة منعا للتزاحم والتكدس، ما تسبب في خسائر “عنيفة”.
في إيطاليا كورونا يقسو على البشر وملابسهم
وكانت دولة إيطاليا من أكثر الدول المتضررة من فيروس كورونا، وصلت في بعض الأوقات إلى الأول عالميًا من حيث عدد الإصابات والوفيات، ما كان له تأثيره على الصناعات المختلفة ومن بينها صناعة الملابس، والتي كانت الأكثر تأثرًا من بين شركات الملابس في العالم.
وأكدت دراسة إحصائية لاتحاد صناعة الموضة الإيطالي حول الأزياء، أن الخسائر تصل إلى 30 مليار يورو. وانخفض حجم الأعمال لأكثر من 60 بالمئة من الشركات خلال الربع الثاني من العام نحو 20 بالمئة.
وبلغت عينة الدراسة 320 شركة من أعضاء اتحاد صناعة الملابس، حيث يعمل أكثر من 580 ألف موظف في قطاعات المنسوجات والملابس.
وواجه أكثر من 96 بالمئة من الشركات انخفاض في حجم الأعمال بنسبة 20 بالمئة مع انخفاض الإيرادات بنسبة 39 بالمئة.
التسوق أونلاين ومواقع التواصل الاجتماعي حلول منقذة عالميًا وعربيًا
تحاول شركات الملابس العالمية إنقاذ صناعتها مع توقعات باستمرار نزيف الخسائر، تفاديا للخروج كليًا من السوق، والهروب من شبح الإغلاق النهائي الذي بات يطارد العديد منها.
وكانت شركات أمازون هي الأكثر استفادة من أزمة كورونا، ونمت مبيعاتها بشكل خرافي بفضل سياسة البيع “أون لاين”، والتي فاقت 88 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري.
ويبدو أن البيع عبر الانترنت وتسويق المنتجات على شبكات التواصل الاجتماعي هو الدرس الذي حاولت شركات الملابس في مختلف العالم تعلمه من عملاق بيع التجزئة عبر الإنترنت “أمازون”.
ولجأت 93 بالمئة من الشركات الإيطالية لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لتغطية نفقاتها ووقف نزيف الخسائر، وحاولت 54 بالمئة من الشركات تغطية 80 بالمئة من نفقات موظفيها، بينما استخدم 6 بالمئة من الشركات شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية نفقات 20 بالمئة من الموظفين.
ونجحت بعض الشركات في احتواء الانخفاض إلى 10 بالمئة بفضل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الأمان، وقللت 76 بالمئة من الشركات استثماراتها المتعلقة بالمعارض.
أما في الشرق الأوسط فلم يختلف الأمر كثيرًا في اعتماد حلول لوقف نزيف الخسائر، حيث أكدت الغرفة التجارية لصناعة الملابس في القاهرة أنها لجأت لتسويق المنتجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة ثقة الجمهور في الملابس مرة أخرى.
وأوضحت الغرفة أن الاعتماد على سوق “الأون لاين” فتح المجال أمام شركات جديدة نشأت في الفضاء الافتراضي لبيع الملابس، واستفادت بتحقيق أرباح في ظل انخفاض تكلفة الخدمة المتعلقة بتأجير متاجر أو موظفين، حيث يقتصر الأمر على إنشاء صفحة والترويج لمنتج جيد.
وأكدت الغرفة على أن التسويق الإلكتروني كان الأسلوب الرئيسي الذي اعتمدت عليه المصانع والمحلات الكبرى في هذه المرحلة الحرجة لتجاوز الخسائر الفادحة.
إقرأ لنفس الكاتب
أسبوع موضة بحضور خجول وعروض أزياء افتراضية
يبدو أن التكنولوجيا تواصل منح فرصة ثانية لصناعة الأزياء و هذه المرة في أشهر أسابيع الموضة العالمية.
حيث انطلق أسبوع الموضة في باريس في سبتمبر الماضي للمرة الأولى في تاريخه افتراضيًا تأقلمًا مع الأوضاع التي خلفها كوفيد-19 ومحاولة لتخطّي الركود الناجم عنه في المجال.
فلم تكن العروض بشكلها المعروف، حيث قالت مصممة الأزياء الفيتنامية شونا تو نغوين:
الابتكار ممكن حتى مع انتفاء كل شيء، ومن دون كهرباء.
كما افتتح حدث مهم آخر في عالم الأزياء وهو أسبوع الموضة في ميلانو بعروض افتراضية لبعض أشهر دور الأزياء الإيطالية مثل “دولتشه أند غابانا” و”فِندي”.
حيث قامت هذه الأخيرة بعرض حي لأزياء ربيع 2021 بحضور جمهور محدد ومُختار بعناية يبلغ مئة شخص فقط موزعين بمراعات القواعد التباعد الاجتماعي.
بعض الخبراء والمحللين يؤكدون أنه يجب أن ننسى أنماط العيش التي اعتدناها.
ولا مجال للشك أن فيروس كورونا غيّر معظم معالم الحياة التي اعتدنا عليها سابقًا، ولكن الأكثر من ذلك هو آثاره على الاقتصاد العالمي حيث تقدّر قيمة قطاع صناعة الملابس والأزياء بما يقارب 2.5 تريليون دولار.
ولكن مشاكل هذا القطاع لم تكن جائحة كورونا المتسبب الأول فيها.
فالقطاع الضخم يعاني في السنوات الأخيرة من ظهور صحوة عالمية حول الطرق غير المستدامة والمضرة بالبيئة التي تنتهجها كبرى شركات صناعة الملابس في خطوط إنتاجها.
إضافة إلى الإساءات وتدنّي أجور العمال واليد العاملة المستخدمة في هذا القطاع خاصة في دول مثل الهند.
ارتفاع الوعي العالمي بهذه الأمور يجعل المستهلكين من حول العالم يتجهون أكثر إلى شركات ملابس صغيرة تحترم البيئة وحقوق العمال في إنتاجها.