قضايا المرأة

كمالا هاريس تبعث رسالة واضحة للفتيات الصغيرات بالحلم

كمالا هاريس تبعث رسالة واضحة للفتيات الصغيرات بالحلم
شارك الموضوع

في عام 1958 قدمت جوبالان، شابة “بنية” اللون من الهند، كانت تبلغ حينها 19 عامًا، تاركة عائلتها للحصول على الدكتوراة في التغذية وعلم الغدد الصماء في الولايات الأمريكية المتحدة.

الفتاة ابنة التسعة عشرة عامًا سرعان ما أصبحت ناشطة “مؤثرة”، في مجال حقوق الإنسان، أثناء الدراسة في جامعة كاليفورنيا، وشاركت في الحياة السياسية.

لولا أمي لما كنت هنا

لا يوجد لقب أو شرف أعتز به على الأرض أكثر من القول إنني ابنة شيامالا جوبالان هاريس“، هكذا قالت كمالا هاريس، نائب الرئيس الأمريكي المنتخب، فهي تعتبر أن والدتها هي البداية والنهاية، وهو ما أكدت عليه في أول خطاب لها، في مؤتمر صحفي بصحبة الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن”، صباح اليوم الأحد، “لولا أمي لما كنت هنا”.

كمالا هاريس، هي أول امرأة تتولى منصب نائب الرئيس الأمريكي، علاوة على أنها من أصول مهاجرة، والتي أبقت على جذورها الهندية من خلال زيارات منذ الطفولة، تقول هاريس: “تلك النزهات على طول الشاطىء الهندي زرعت شيئًا ما في ذهني وخلقت التزامًا بداخلي.. قادني إلى ما أنا عليه اليوم“.

تلجأ كمالا هاريس إلى والدتها للحصول على النصائح “حتى بعد وفاتها”، وفق خال كمالا “جوبالان بالاشاندران”، الذي يعيش في العاصمة الهندية “نيو دلهي”، في تصريحاته لشبكة “سي إن إن”، “في كل ما تفعله تسأل نفسها: هل ستوافق والدتي على ذلك؟”، فهي تريدها دائمًا فخورة بها.

كمالا هاريس تعني في الثقافة الهندية “زهرة اللوتس”

“زهرة اللوتس”، هو المعنى الهندي لزهرة إدارة الولايات المتحدة الجديدة “كمالا”، وهي رمز مهم في الثقافة الهندية، يرتبط بقاع النهر ويتجذر فيه، تمامًا مثل هوية هاريس التي تحملها معها أينما حلت.

“تتطلب حماية ديمقراطيتنا كفاحًا وتضحية ولكن هذا الأمر ممتع وفيه تقدم”، كان من أبرز ما صرحت به كمالا في أول مؤتمر لها بصحبة الرئيس الجديد جو بايدن في ساحة الحملة الانتخابية، والتي استقبلها الحضور بدموع حارة، مضيفة أن “الشعب لديه القوة دائمًا لبناء مستقبل أفضل”، خاصة الشهور الماضية التي كانت صعبة، لكنها لم تنس أن تشكر عائلتها، وشقيقتها ووالدتها، وكل العاملين في الحملة الانتخابية.

لن أكون الأخيرة

قد أكون المرأة الأولى لكن لن أكون الأخيرة

كمالا هاريس

إنها تدرك كم هي نقطة تاريخية للولايات المتحدة، ورغم أنها أول امرأة ومهاجرة في المنصب، لكنها تؤكد في خطابها أنها “لن تكون الأخيرة”، وقالت:” إلى كل الأفارقة والسود والنسوة اللاتي حاربن من أجل العدالة.. هذه الأمسية سوف أعرج على مآسيهين لرؤية ما يمكن تحمله من قبلهن وأنا أقف إلى جانبهن، وإنها شهادة كبيرة لجو لأنه استطاع تخطي كافة الحواجز لاختيار امرأة للمرة الأولى لهذا المنصب”.

أول فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لنائب الرئيس الأمريكي الجديد كان عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، حيث اتصلت كمالا بالرئيس تقول: “لقد فعلناها.. أنت الرئيس القادم لأمريكا”.

خلفية ثقافية متنوعة

بالعودة إلى نشأة كمالا التي أثرت في شخصيتها، يجري في عروقها أنهار من هويات متعددة، فقد ولدت في أوكلاند بكاليفورنيا، والدتها من الهند، ووالدها من أصول كاريبية-أفريقية، وانفصل عن والدتها وهي في سن الخامسة من عمرها.

جذورها ثنائية العرق، والطريقة التي أصرت والدتها على تربيتها بها، جعلتها قادرة على التعامل مع الثقافات المختلفة، وكان لها الفضل الكبير في ضمان كتلة تصويتية ليست بالقليلة من المهاجرين والأقليات في الولايات المتحدة، والتي رأت فيها رمزًا وأملاً، بعد تغييرات ديمغرافية في عهد الرئيس دونالد ترامب المنتهية ولايته هذا العام.

كانت جامعة هوارد، وهي من الكليات البارزة تاريخيًا للسود في الولايات المتحدة الأمريكية “من بين التجارب الأكثر تكوينًا لشخصيتها”، حسب سيرتها الذاتية “The Truths We Hold“، لكنها أيضًا تستطيع التعامل بسهولة مع “البيض”، فقد عاشت في كندا مع والدتها حينما كانت مدرسة في جامعة ماكجيل، وذهبت إلى مدرسة في مونتريال لمدة خمس سنوات، وتصف نفسها بأريحية بأنها “أمريكية”.

“مومالا”.. تصنع تاريخ للعائلة الأمريكية الحديثة

كمالا شخصية فريدة ومتفردة في كل مناحي حياتها، في عام 2014 تزوجت من الرجل الأبيض “دوجلاس إيمهوف”، وهو محام يهودي، والذي أصبح العنصر الأساسي في حملتها الانتخابية فيما بعد ومساندًا لها في طريقًا نحو البيت الأبيض، ولأنه كان له أبناء قبل زواجهما اتفقت مع أبنائها عالى مناداتها “مومالا”، فهي لا تحب لقب زوجة الأب، وأصبحت أسرة كمالا الجديدة رمزا للعائلة الأمريكية الحديثة المختلطة.

كمالا هاريس مع زوجها دوجلاس إيمهوف - رويترز
كمالا هاريس مع زوجها دوجلاس إيمهوف – رويترز

كمالا استطاعت أن تصنع التاريخ في أشياء عديدة، فهي أيضًا أول امرأة من أصحاب البشرة السوداء على الإطلاق تعمل كمدعي عام لولاية كاليفورنيا لمدة ست سنوات، وتحسب على التيار التقدمي.

اقرأ أيضًا

لماذا كمالا هاريس؟

كانت هاريس ضمن عدة اختيارات ضمن مرشحات للرئيس المنتخب جو بايدن، إليزابيث وارن، وسوزان رايس وكيشا لانس، ولكن هاريس كانت عنصرًا حاسمًا في نتيجة الانتخابات لأن بايدن كان يريد تقديم نموذج “براق”، فهاريس هي المرأة السوداء المنحدرة من جذور مهاجرة وبالتالي تعكس صورة المرشح الذي يستطيع تجاوز الخلافات.

وبتوليفة ذكية بين الحماس الذي يتجسد في كمالا التي تبلغ من العمر 56 سنة، والخبرة التي تتجسد في بايدن الذي يبلغ 77 عامًا، ورغم أن عمره كانت نقطة ضعف، لكن كمالا سدت هذه الثغرة، كما أن “العنصرية” كانت محور مهم في اتهامات بايدن لمنافسه “ترامب”، وبالتالي كان اختيار كمالا نابعًا من “دهاء” الرئيس العجوز في أعقاب احتجاجات السود في الولايات المتحدة عقب مقتل جورج فلويد، وهي عامل محفز للحشد.

كمالا هاريس كانت نجمًا ساطعا منذ البداية، ورغم أن طريقها إلى البيت الأبيض لم يكن ممهدًا بالورود، لكنها خاضته بالثقافة التي غرستها فيها والدتها، فهي تتحدث كثيرًا عن إصلاح الممارسات العنصرية في النظام الأمريكي، وتغييرات في ممارسات جهاز الشرطة ضد السود، فهي امرأة فريدة استطاعت أن تصنع مسيرة وتصل إلى قمة لم تُسبق إليها.

شارك الموضوع
محمود علي

صحفي مصري، عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية التلفزيونية والمطبوعة والمنصات الإلكترونية.