بعد انقطاع دام لعقدين من الزمن، تعود أسطورة الاستعراض شريهان إلى الواجهة في بداية رمضان هذا العام بحضور قوي وكاريزما عالية فاقت كلّ التوقعات وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وباقي الدول العربية.
رغم أن هذه العودة التي وصفها البعض بالملحمية، لم تكن كما تعوّدنا عليها في فوازير شريهان بسنوات شبابنا أو طفولة أغلب جيل الثمانينات والتسعينات، فقد اقتصر رجوعها إلى الساحة على إعلان رمضاني لشركة اتصالات.
جلبت الأيقونة الشهيرة شريهان طعم الحنين إلى الماضي بإعلانها الجديد، الذي سرعان ما حقق نجاحًا كبيرًا بين المصريين وآخرين من دول عربية أخرى من خلال ردود أفعال قويّة وتفاعلات بطابع احتفالي بالحياة على منصات وسائل التواصل.
شريهان أيقونة ‘عاطفية‘ في الوعي الجمعي العربي
مما لا شكّ فيه أن شريهان تمثّل صورة ‘رومنطقية’ تحمل بين طيّاتها الكثير من النوستالجيا في ذاكرة معظم جيل الألفية إناثًا وذكورًا. ارتبط اسمها بفوازير رمضان حين كان لا يزال لهذا الشهر نكهة خاصة وحميمية مألوفة في أذهان الكثيرين.
زمن لم تكن فيه القنوات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي قد أحكمت قبضتها بعد على الجماهير بكبيرهم وصغيرهم، إنها حقبة زمنية قصيرة سرقناها خلسة بين فن الزمن الجميل وعصر انحدرت فيه كلّ الفنون، كانت فوازير شريهان تدخل كلّ بيت عربي وتسكن بصدق قلوب المشاهدين.
شريهان هي فنّانة مصرية متعددة المواهب، فهي ممثلة ومغنية وراقصة ولكن عرفها الجمهور العربي الواسع أكثر من خلال الفوازير الرمضانية وهي التي زادت شعبية هذا النوع من العروض التلفزيونية أيضًا، فمن منا لا يتذكر “ألف ليلة وليلة”!
شريهان هي واحدة من أفضل ممثلات الفنون الاستعراضية التي لا يسهل نسيانها فقد أمطرت الساحة الفنية آنذاك بموهبتها الرائعة وأفلامها وعروضها.
كلّ من يعرف شريهان، أول ما يتبادر إلى ذهنه في اللحظة التي يشاهدها فيها هذا العام هو بالتأكيد فوازيرها المذهلة والفريدة من نوعها، كانت موهبة خامة تجعل كل من يشاهدها يتفاعل معها دون أن يدرك ذلك، فهي تأخذك في جولة فوازيرية حول العالم بأزياء ومكياج استعراضي مبهر وتعابير جسد مُتراقص ومتناغم مع المشهد والموسيقى والأقصوصة، تعابير وجه صادقة ومعبّرة عن شغف كبير تحمله هذه الإنسانة الفنانة اتجاه فنها وجمهورها.
“راجعين أقوى” رسالة لكلّ من كسرته الحياة
يمثّل الإعلان رحلة حياة شريهان بين نجاحاتها في الفوازير الرمضانية الشهيرة وانتكاساتها في الحياة الشخصية التي جعلتها تختفي فجأة ولكن تتمكّن مع ذلك من التمسك بخيوط الحياة والأمل وتستعيد قوتها تدريجيًّا رغم كل شيء، وهذا كان فحوى الرسالة القوية التي جعلت من الإعلان جذّبًا وناجحًا بكل المقاييس.
قد يكون مخطئ جدًا من يستهين بقوة روح امـرأة شغوفة ومُتّقدة الوجدان، شريهان بالنسبة لي واحدة من أولئك النسوة القلائل اللواتي بكلّ بساطة وبكلّ التعقيد… يهزمن الحياة وخططها الشريرة مرة تلو الأخرى، إنهن ‘نساء يركضن مع الذئاب‘، تحكمهنّ الطبيعة الأم بشراستها وحنوّها وينصعن هنّ لها بكامل الطواعية والوعي.
سحر أبدي وقوة داخلية ليس لها مثيل، شريهان حتى في روتين شعرها وجمالها الخارجي تُكمل مسيرة آلهات مصر القديمة وكأن موكب المومياوات الملكية وأنشودة إيزيس أحيوا من جديد أسطورة المرأة الملكة بصفاتها – ليس بلقبها – وقوتها في التغلب على صعاب الحياة.
إقرأ أيضًا
فشريهان اختفت فجأة في عزّ النجاحات بسبب حادث سير مأساوي كاد أن يودي بحياتها وإصابتها الخطيرة في العمود الفقري مما تطلّب العلاج لسنوات طويلة، الذي عقبته سنوات أخرى من الصراع مع مرض السرطان.
تخللت حياة الأسطورة شريهان مآسي أخرى متعلقة بالمشاكل العائلية والفقد المتمثل في مصرع أخيها غير الشقيق عازف الغيتار المعروف عمر خورشيد عام 1981 في حادث مؤلم، حياة غير عادية أكيد وقدر ليس بالاعتيادي، وهذا ما جعل الكلّ من فنانين وعامة الناس يتفاعلون مع إعلانها بقلوبهم وسط هالة مشاعرية عالية.
راجعين أقوى وطايرين، وعلى مين، عالصعب فحياتنا متعودين، الدنيا بقت لعبتنا، ومكملين، مهما الدنيا تحدتنا تتحدى مين، وعلى مين؟
الأمل والثقة بالقدرة على النهوض بعد الانكسارات هي رسالة لكل المُنكسرين والمُنكسرات ممن تُسدّد لهم الضربات القاضية بشكل متتالي، فالضعف جزء كبير من التجربة الإنسانية ربما كان الأكبر ووجوده بهذه الكثافة في حياة الفرد يعني أن هذا الإنسان مقّدر له بشكل أو بآخر أن يُلامس عظمة ما سواء في حياته أو بعد مماته.
وككلّ نجم حقيقي، يكون التواضع وتقدير الجمهور والمُعجبين من أبرز خصاله، غرّدت شريهان بكلمات من القلب لتشكر محبيها وكلّ من شجعها وساندها.
شريهان التي كانت دائمًا ابنة مصر المخلصة، ظهرت قبل عشر سنوات خلال تظاهرات “25 يناير”، إلى جانب حشود الشباب المصري المُطالب بالتغيير وهي أيضًا اليوم تعبّر عن موقفها الحرّ وتضامنها مع الشعب الفلسطيني بسبب أزمة حي الشيخ جراح الأخيرة.
وقد كتبت العديد من المنصات الإعلامية باللغتين العربية وكذلك الانجليزية عن إعلان شريهان والرسالة القوية التي يحمل، فهناك من ركّز على نقل تفاعلات وعواطف الجمهور الغزيرة وآخر أعاد مسيرة نجاحات الأيقونة وارتباط اسمها بالفوازير الرمضانية ورمضان بكلّ ما يحمل من ذكريات في الذاكرة والمخيال الشعبي العربي.
ربما تكون رسالة إعلان شريهان بسيطة للبعض، ولكن إن كان هناك نقطة أو اثنتان يمكن تعلّمهما فهما بدون أدنى شك يرتبطان بكون السر وراء اجتذاب الجماهير وأكبر نجاحات الحملات الإعلانية هو الرسائل الإنسانية المنبثقة من قلب الواقع الحياتي والشخوص الحقيقية، أما مطبّات الحياة وشدائدها… فالسرّ ورائها كامن في عدم الاستسلام، فلا تستسلم وإياكي أن تستسلمي!