قضايا المرأة

لم المرأة الطرف الأضعف في العلاقات العاطفية؟

لم المرأة الطرف الأضعف في العلاقات العاطفية؟
شارك الموضوع

تدور أنماط العلاقات العاطفية بين الجنسين في المجتمع العربي عادة حول مغازلة الرجال للنساء.

إن العديد من الأفكار التي لدينا حول الرومانسية لا تزال تعتمد على كون الرجال هم الآخذون لزمام المبادرة، بينما يجب أن تظهر النساء كمستقبلات للاهتمام الذي يبديه الرجال.

وبالنظر إلى أن المفاهيم الشائعة عن المرأة العربية تميل إلى إظهارها على أنها مُدلّلة أو تستجدي رعاية الرجل دائمًا، فمن السهل أن نفهم لماذا تزدحم العقبات في طريق المرأة حين تحبّ ولماذا تحمل خطايا الحب وحدها في أحيان كثيرة!

العلاقات العاطفية في أمس الحاجة للتوازن

عندما يتمتع الرجال بفهم أكبر لحقيقة أدوارهم في علاقاتهم العاطفية قبل وبعد الزواج، سيؤثر ذلك في المقام الأول على استمرار هذه العلاقات ناجحة وقوية.

وعلى نطاق أوسع، أظهرت بعض الدراسات أن الرجال الذين يتجنبون الثقافات الشعبية التقليدية وأقوال غلاة مشايخ المذاهب الدينية المتشددة ذات الصلة بالحب، يميلون إلى أن تكون لديهم علاقات أكثر إرضاءً والتزامًا تجاه شركائهم.

لكن لماذا تحذر النسوية من الثقافة الشعبية التقليدية أو الدينية المتشددة؟ قد يكون أحد الأسباب هو أن التمسك بحرفية هذه النصوص التي يبتعد المتمسكون بحرفيتها عن روح الدين وسماحته، يضع عبئًا ثقيلًا على الرجال أنفسهم تجاه علاقاتهم العاطفية.

وفي الواقع، تُعبّر النساء بشكل متزايد عن إحباطهن من العلاقات التي تجبرهم على اتباع السيناريو الثقافي الذكوري لهذا السبب تحديدًا!

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إنه يمتد إلى ما بعد الزواج، إلى غرفة النوم حيث يمكن أن تقلل كل تلك الأعباء الذهنية من العفوية ومن الرضا الجنسي للمرأة.

وعندما يتعلق الأمر بالجنس، فكل من الرجال والنساء يشعرون عادة بقدر أكبر من الرضا الجنسي عند التحرر من أية أفكار ذكورية مسبقة، فحينها تصبح علاقة الحب سوية وتلقائية.

نسوية في مواجهة الاضطهاد في الحياة والعلاقات العاطفية

كانت الكاتبة والناشطة النسوية المصرية نوال السعداوي التي توفيت عن عمر يناهز 89 عامًا هذا العام، مُخالفة للتقاليد الشعبية السائدة منذ صغرها، فعندما كانت طفلة، أبلغت جدتها أنها لا تنوي الزواج في الوقت الذي بذلت فيه عائلتها كل جهودها لترتيب حفل زفاف لها وهي في العاشرة من عمرها!

كان ذلك جزءًا بسيطًا من حياة عصيبة عاشتها السعداوي، ومازالت تعيشها فتيات كثيرات في وقتنا الراهن، لاسيما في الأماكن النائية في القرى والنجوع في بلادنا العربية.

ولرفض هذه الخيارات المحدودة تعاني المرأة من اضطهاد لا يوصف، فلقد أدى استقلال السعداوي الشديد في الفكر وكفاحها ضد عدم المساواة، إلى فقدان وظيفتها وفرض الحظر على كتاباتها، ثم تعرضها للسجن والتهديد بالنفي وبالقتل!

وفي كتابها: “الوجه الخفي لحواء“، تؤكد السعداوي أن النظام الأبوي والفقر وليس الإسلام هما من يضطهدان المرأة العربية ويفسدان حريتها وعلاقاتها العاطفية.

وتوضح ذلك بجلاء كل روايات السعداوي المعنية بقضايا المرأة الاجتماعية، والتي تكشف عن التشوهات السرطانية للعلاقات العاطفية التي تجد المرأة نفسها ضحية جاهزة لها كل مرّة.

الحب أو الكرامة؟

بعد تأهيلها كطبيبة في عام 1955، ازداد شغف نوال السعداوي بالتثقيف الصحي لبسطاء الناس في قريتها، ودخلت في صراع مع السلطات المصرية آنذاك.

فهي كطبيبة، صُدمت من الممارسات غير الصحية للحلاقين المحليين والقابلات المسؤولات عن الإجراءات الطبية الأساسية بما في ذلك الختان وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية!

أثارت جهود السعداوي في تعليم الناس مخاطر هذه العادات غضب الممارسين المحليين!

ولسخرية القدر، تم استدعاء نوال السعداوي إلى القاهرة،بعد كتابة تقرير فيها بعد محاولتها إنقاذ امرأة شابة من زوج اعتاد ضربها، وزعم التقرير عدم احترام السعداوي للقيم الأخلاقية وما وُصف بأنه “تحريض النساء على التمرد على الشرائع السماوية للإسلام”!

تحملك هذه الاتهامات الساذجة إلى داخل عالم نوال السعداوي وكل امرأة عربية، العالم الملئ بالمتناقضات المضحكات المبكيات، إلا أنه حقيقة واقعة عايشتها السعداوي من الطفولة وحتى في زواجها.

لقد كان زواج السعداوي الأول من أحمد حلمي زميلها في كلية الطب عام 1955 هو بداية نفورها من ذكورية أفكار الرجال الذين أظهروا، في المقابل، كانت لديهم كراهية لكتابتها النسوية، لذلك تزوجت ثلاث مرات وانفصلت ثلاث مرات.

وهو ما دعاها في كتابها “مذكرات من سجن النساء” الذي نشرته عام1983، وكانت قد كتبته على لفافة من ورق التواليت باستخدام قلم حواجب تم تهريبه، إلى تناول الأوضاع المأساوية للمرأة العربية، ليس فقط في الحياة المهنية والسياسية، بل حتى في العلاقات العاطفية التي تجعل المرأة محاصرة في ذهن رجل لا يراها إلا كأداة للجنس فقط!

لقد كانت كتب وروايات د.نوال السعداوي بمثابة حقل ألغام لكل الذكوريين المؤمنين بسطوة الأفكار الأبوية المطلقة، كانت السعداوي تهدم أصنامهم الواحد تلو الآخر.

وتؤكد أن المرأة غير مضطرة لتقديم قرابين للرجل مقابل الحصول على الحب، وأن المرأة قادرة على العيش بدون حب إذا اضطرتها الخيارات البديلة للاستغناء عن كرامتها!

هل تتوقف حياة المرأة على الحب؟

في الخمسينيات من القرن الماضي، ذكرت بيتي فريدان الناشطة النسوية الأمريكية في كتابها The Feminine Mystique أن الحركة النسوية تؤمن أن الإشباع العاطفي يجب ألا يكون جزءًا من القيمة الذاتية للمرأة، وأن العلاقات العاطفية ليست هي المرايا التي تنعكس عليها شخصية المرأة وإمكاناتها الحقيقية.

فعلى الرغم من أن البعض يرى الحب وسيلة تأمين اجتماعي مثالية إذا ما انتهى بالزواج، إلا أن ذلك يرتبط في المقام الأول بالقيم والمبادئ التي يتم تعليمها وتلقينها في عقول الرجال والنساء منذ الطفولة!

ومع ذلك، فإن الكثيرات من النسويات يُشككن في جديّة الحب الذي تبذل فيه المرأة مجهودات مضاعفة، فتُسحق بذلك، تقول كاثا بوليت، الشاعرة والناقدة الأمريكية:

ربما تكون الطريقة التي تفكر بها النساء في الحب، هي جزء من دين العبيد الذي يتحدث عنه نيتشه.

وتتساءل بوليت في مذكراتها، ماذا سيكون شكل العالم إذا توقفت النساء عن إبداء أي ضعف؟ وهل يمكن أن يستمر العالم بدون حب رومانسي؟ وهل سيكون الأمر مريحًا إذا استغنت النساء عن التفكير في الحب والرومانسية والجنس،وتقبُّل الإطراء والابتسام للنكات القديمة؟

وتوضح ذلك بشكل أكثر إيجازًا جيسيكا فالنتي، الكاتبة النسوية ومؤسسة موقع feministing.com، وهو بمثابة صوت جيل جديد من النسويات الأمريكيات:

لو أنفقت نصف طاقتي في حياتي المهنية كما فعلت في علاقاتي العاطفية، لربما تغيّرت حياتي عما هي عليه!

وهذا لا يعني أن الرجال لا يقلقون بشأن علاقاتهم العاطفية أيضًا، ولكنك في منطقتنا العربية، لن تجد صعوبة بالغة في فهم البطولات المأساوية الزائفة التي يظهر عليها في كثير من الأحيان، الرجل الخارج من علاقة عاطفية.

رغم أنه قد يكون قد كال اللعنات والسباب وكافة البذاءات للمرأة التي كانت قد أحبّته في الماضي، ولذلك لن تتفاجأ بقدر المحاذير التي تتبادلها النساء فيما بينهن والتي لن تجد مثلها بطبيعة الحال بين الرجال!

الإيذاء المُستمّر للرجل بعد الانفصال

لكي تفهم التلاعب النفسي أو الأذى العاطفي الذي يصل للعنف البدني أحيانًا الذي يقوم به بعض الرجال اتجاه المرأة التي تؤمن غالبًا بقدسية العلاقة العاطفية وتكون قد بذلت فيها الغالي والنفيس إلى حدود الإجهاد والإنهاك الكامل… عليك أن تتأمل كيف يتعامل الرجل في مرحلة الطلاق أو الانفصال، عندما تنتهي علاقته بالمرأة التي ارتبط وأحبّها يومًا.

إن الأمر لا يقتصر على الإيذاء العاطفي، بل ربما تجاوز ذلك ليصل إلى إيذاء بدني مُتعمّد إذا جمع الطرفان لقاء في شارع أو مكان عام، ومحاكم الأسرة في مصر ودول عربية أخرى تتضمن كوارث في حيثيات جلساتها من مثل ذلك النوع الذي نحكي فيه.

وقد يتجاوز الأمر لما هو أبعد من ذلك بكثير، فقد توصّل تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن عددًا من الخدمات على الإنترنت، يتم فيها استغلال المسلمات “المطلقات” في ممارسات مشبوهة للإيقاع بهن، ويعطيك كل ذلك انطباعات كافية عما تتعرض له المرأة، ليس فقط في الزواج بل بعد الانفصال أيضًا.

العلاقات العاطفية المؤذية حتى بعد انتهائها

تعاني النساء العربيات حين تصل العلاقات العاطفية إلى نهاية المطاف، بعد أن يكون الطلاق قد تم، إذ يلاحقهن تشويه السمعة في كل مكان أو قد يُنظر إليهن على أنهن لم يفكرن إلا في أنفسهن وفي هدم مستقبل أطفالهن.

ناهيك عن أن المرأة تعاني أيضًا من عواقب كثيرة عند مجرد التفكير في رفع دعوى طلاق، وعند التفكير في حضانة أطفالها، تخيل فقط قدر المعاناة النفسية التي تنتظر امرأة من زوجها سابقًا ومن أهلها في نفس الوقت.

وهو ما يجعلها تخضع في بعض الأحيان للتأهيل النفسي لتعود إلى حياتها الطبيعية، ومن الجدير بالإشادة عدد من المبادرات المصرية والخليجية التي تقدم الدعم النفسي للنساء اللاتي كن ضحايا لعلاقات عاطفية مسمومة، سواء كان من آثار الزواج والانفصال أو كان ذلك قبل الزواج.

وذلك لئلا تؤدي الطاقة السلبية الناتجة عن ذلك إلى إغراق هؤلاء النساء بالاكتئاب أو الاستسلام لمشاعر القهر، لأن هذه المشاعر في حد ذاتها قد تكون كارثية ومدمرة للمرأة.

ولذلك من الضروري أن تفهم المرأة أن الأولوية الأولى هي تفادي ذكرياتها السيئة السابقة، ولن يحدث هذا إلا إذا اعتقدت أولاً أن الفشل في أي علاقة عاطفية ليس هو نهاية العالم، وهي بالتأكيد ليست الحلقة الأضعف إن أرادت ذلك.

شارك الموضوع
فريق يارا

فريق المحرّرين بموقع «يارا».