الرياضات النسائية في المنطقة العربية أمر يبعث على الإحباط من كل الجوانب.
فقد فشلت كرة القدم النسائية في التأهل للنسخة الأخيرة من كأس العالم في فرنسا العام الماضي، وعلى مدار تاريخ البطولة الذي يعود للعام 1991 لم ينجح أي منتخب عربي للكرة النسائية في التأهل ولا مرة، رغم نجاح لاعبات عربيات يمتلكن مهارات عالية في دخول عالم الاحتراف في أندية أوروبية عريقة.
كرة القدم النسائية مجرد نموذج لواقع مرير تعيشه الرياضات النسائية في المشرق العربي بشكل عام، رغم نجاح المرأة في اقتحام العديد من الألعاب التي ظلت حكرًاعلى الرجال وحققت فيها تقدم مبهر.
فما هي حقائق الأوضاع العامة الرياضية المزرية في البلدان العربية، ولماذا الغياب التام للاستثمار والاهتمام بالرياضات النسائية ودعمها؟
الرياضة النسائية تتمثل في منتخب عربي وحيد في الأمم الآسيوية لكرة القدم
اقتصرت منافسات المنتخبات العربية لكرة القدم النسائية على المشاركة في البطولات القارية فقط، و بمشاركات محدودة، ففي بطولة كأس الأمم الأفريقية، لا يشارك من المنتخبات العربية سوى منتخبات: مصر والجزائر وتونس والمغرب، و كانت الأردن المنتخب العربي الوحيد في بطولة كأس الأمم الآسيوية لعام 2014.
ومن أهم الأسباب التي تعرقل تقدم كرة القدم النسائية انخفاض مستوى البطولات التي تنظمها الاتحادات المحلية، وغياب الظهير النسائي من المؤسسات التي تشرف على اللعبة في البلدان العربية، كما أن غياب المنافسات بين الفرق سواء على المستوى العربي أو الدولي، لا يساعد الفرق على تحسين مستواها، إضافة إلى غياب مناقشة أوضاع الرياضة النسائية في الوطن العربي حسبما ترى نعيمة العوادي مدربة المنتخب الجزائري أقل من 20 سنة.
وتؤكد العوادي أن الموهبة وحدها غير كافية في ظل نقص الإمكانيات، والحد الأدنى من أدوات اللعبة، وتعتبر العوادي كادر فني في المدرسة الوحيدة لتدريب كرة القدم النسائية في الجزائر العاصمة التابعة لنادي اتحاد أمل الشراقة.
“دعم مالي هزيل جدًا تتلقاه الفرق النسائية“
“دعم مالي هزيل جدا تتلقاه الفرق النسائية”، تقول المدربة المغربية فدوى شرنان أن نقص الإمكانيات الكبير لكرة القدم النسائية يحرم اللاعبات من الاستقرار المادي.
وأضاف علي غازي، المدير الفني لفريق الصحة والعبور في مصر، أن غياب الاستثمار في الرياضات النسائية بشكل عام هو المعوق الأكبر، فاللاعبات في فريقه، تحصل كل واحدة منهن على مبلغ 75 جنيه مصري شهريًا، وهو ما يعادل 5 دولار أمريكي، حسب تصريحات إعلامية أدلى بها غازي.
وقال غازي أن أكبر راتب تتقاضاه لاعبة كرة قدم في مصر لا يتخطى 1500 جنيه، (100 دولار)، ما يجبر اللاعبات على البحث عن عمل آخر لتأمين الدخل المادي، رغم امتلاكهن الموهبة.
وأوضح أن كرة القدم النسائية في مصر تعاني من “تخلف فكري”، وتعتمد الأندية التي تمارس كرة القدم النسائية على دعم قليل من وزارة الشباب والرياضة في مصر.
“نشعر أن هناك تقصيرًا في دعم رياضة المرأة“
سنية بن الشيخ وزيرة الرياضة في تونس، قالت إن الرياضة النسائية في الوطن العربي تحتاج إلى دعم أكبر، حيث تواجه الرياضيات العربيات تحديات كبيرة، قائلة “مقارنة بما قدمناه في السابق نشعر أن هناك تقصيرًا في دعم رياضة المرأة”
وشدّدت الوزيرة التونسية على ضرورة أن يكون هناك دور أكبر للاتحادات الدولية واتحاد اللجان الأولمبية الوطنية العربية ومجلس وزراء الشباب والرياضة العرب في دعم رياضة المرأة في الوطن العربي، وخاصة في الدول التي لا يوجد بها الإمكانيات، والعمل على مساعدتها وتوفير ظروف أفضل للمرأة لممارسة نشاطها الرياضي.
ويمثل عدد الأندية النسائية في تونس 0.6 بالمئة من مجموع عدد الأندية التونسية المسجلة رسميًا، بواقع 92 نادي، من إجمال 1352 نادي في أرجاء تونس، وتضم تونس 48 اتحادًا، من بينها اتحاد واحد ترأسه امرأة، كما يبلغ عدد النساء أعضاء مجالس إدارات الاتحادات الرياضية 32 من بين 454 عضواً.
50 توصية و120 مقترح في جلسة عصف ذهني حول مشكلات الرياضة النسائية
ورغم الإمكانيات الاقتصادية الهائلة في الإمارات، وضع الرياضة النسائية لم يختلف كثيرًا، حيث عُقدت بمقر الهيئة العامة للرياضة في دبي، عام 2018، جلسة عصف ذهني حول التحديات والمشكلات التي تواجه الرياضة النسائية في الدولة، وخرجت بكم هائل من التوصيات، بواقع 50 توصية و120 مقترحاً سلطت الضوء على الصعوبات والعقبات التي تعانيها رياضة المرأة الإماراتية، لكن أبرزها غياب الدعم المالي الكافي.
وتضمنت التوصيات ضرورة تأهيل الكادر الفني النسائي المختص في المجال الرياضي، و إفساح المجال للمرأة لتولي المناصب في الاتحادات الرياضية، وإيجاد حل لمشكلة التفرغ الرياضي، وتوفير الدعم للرياضيات من أصحاب الهمم، وإيجاد تشريع ينظم رياضة المرأة.
إقرأ أيضًا
الرياضات النسائية ودعمها مرفوض من قبل الأندية
وأوضحت أنيسة الشدادي عضو مجلس إدارة اتحاد كرة اليد في الإمارات أن الأندية ترفض دعم وإدخال الرياضات النسائية بحجة عدم توفر الميزانية الكافية، فلا يوجد في الإمارات سوى ناديين فقط لممارسة كرة اليد النسائية، وهو عدد قليل جدًا يمنع تنظيم دورات وبطولات محلية، ما يؤدي إلى صعوبة تشكيل منتخب لكرة اليد لتمثيل الدولة في البطولات الدولية.
وأشارت الشدادي إلى ظاهرة خطيرة تواجه الرياضات النسائية في الإمارات: “لاحظنا عملية تدوير اللاعبات من لعبة إلى أخرى في الفترة الأخيرة، حيث يتنقل اللاعبات بين الألعاب بحثا عن الدخل الأعلى”، مضيفة أن اللاعبة تنشأ على لعبة معينة وما أن تصبح مهيئة جسمانيًا ومهاريًا للعبة تغير نشاطها إلى لعبة أخرى لأسباب مادية.
وأوضحت أن كل لعبة رياضية تتطلب إمكانيات معينة ولياقة بدنية وجسمانية تختلف عن اللعبة الأخرى، ما يسهم في تراجع مستوى الرياضة النسائية في المنطقة بشكل عام.
ولفتت إلى أن جهات عمل اللاعبات تعيق تواجدهن مع الفرق، برغم محاولة اتحاد كرة اليد حل هذه المشكلة بإرسال جوابات مختومة إلى جهات العمل للسماح للاعبات بالتفرغ وحضور التدريبات، لكن بعض جهات العمل ترفض، والبعض الآخر يوافق مقابل اقتطاع جزء من الراتب، مؤكدة أن الأمر يمتد إلى منع اللاعبات من التواجد مع المنتخب الوطني وليس الأندية فقط.
وتكررت وعود مجلس دبي الرياضي بتخصيص ميزانية للرياضات النسائية مع بداية كل موسم دون جدوى، مستنكرة عدم وجود دعم من المجالس الرياضية بميزانية سنوية للاعبات في مختلف الأنشطة الرياضية.